السياسة الخارجية العمانية تقوم على مجموعة من الثوابت تسعى لمد يد الصداقة والتعاون إلى جميع الأمم والشعوب، وتوثيق وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية معها لتحقيق منافع مشتركة، وهذا يؤدي بدوره إلى مزيد من الانفتاح والتعامل الحر مع مختلف الثقافات على أساس الندية والتكافؤ وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، ويوفر مناخًا لحل أي مشكلات عن طريق التفاوض والحوار، وكل هذا يفضي بالضرورة إلى عالم يسوده الأمان والسلام، يحتكم إلى العقل والمنطق بدلًا من اللجوء للقوة.
واقع السياسة العمانية أصبح حقيقة لا مزايدة فيها ولا مبالغة، والشواهد الموضوعية المنحوتة على جدران الزمن، وسجلات التاريخ هي التي تتحدث، بالإضافة إلى الحضور الراهن اللافت للسياسة العمانية على المسرح الدولي وما تحظى به من احترام، جعل من عُمان محطات اهتمام لدول العالم.
هذا الحضور للسياسة العمانية تترجمه الزيارات الرسمية التي تشهدها السلطنة لوفود دول صديقة وجلسات التشاور السياسي والتي تتمحور حول التعاون السياسي والاقتصادي، حيث تكللت هذه الزيارات والجلسات بتوقيع عدد من مذكرات التفاهم والتعاون في مجالات الاقتصاد والصناعة والتجارة والاستثمار والسياحة والصحة والتشاور السياسي.
الزيارة التي قام بها معالي الدكتور سومكيد جاتوسريبتاك نائب رئيس الوزراء بمملكة تايلند والوفد المرافق أمس الأول، ولقاءاته ومرافقيه بكبار المسؤولين بالبلاد وما تخلل الزيارة من بحث لآفاق الاستثمار والتبادل التجاري وتبادل المنافع والخبرات، وتوقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرة تفاهم حول التشاور السياسي، وكذلك الزيارة التي قام بها معالي لوبومير زالوراليك وزير خارجية جمهورية التشيك والوفد المرافق، تؤكد هاتان الزيارتان مدى ما تحظى به السلطنة من اهتمام، ورغبة مملكة تايلند وجمهورية التشيك وغيرهما من دول العالم في تعزيز علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع السلطنة، وحرصهما على بحث قضايا التعاون الاقتصادي والتجاري لا سيما بين شركات ومؤسسات القطاع الخاص ورجال الأعمال، والتعرف على الفرص الاستثمارية والبنية الأساسية الصالحة لإقامة مشروعات صناعية وتجارية عملاقة من خلال الاستثمار المحلي والأجنبي المشترك، حيث بدت الرغبة كبيرة من قبل الوفدين الزائرين التايلندي والتشيكي في تطوير التعاون المشترك في تلك المجالات، والتي قابلها رغبة عمانية في الاستفادة من الخبرات ومناخ الاستثمار والتقدم العلمي والتكنولوجي والصناعي وفي مجال الطب والسياحة في جمهورية التشيك ومملكنة تايلند الصديقتين. كما شكل لقاء غرفة تجارة وصناعة عُمان بالوفد التشيكي الزائر فرصة طيبة، سواء من حيث المناقشات المثمرة التي جرت بين رجال الأعمال في البلدين الصديقين من خلال المنتدى الاقتصادي لرجال الأعمال العمانيين والتشيكيين الذي نظمته الغرفة بالتعاون مع سفارة جمهورية التشيك بالسلطنة أمس بفندق رامادا ـ مسقط، أو عبر مذكرة التفاهم التي وقعتها الغرفة واتحاد الصناعات في جمهورية التشيك أمس للتعاون بين الجانبين في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وذلك على هامش المنتدى الاقتصادي المذكور، حيث يوفر هذان الحدثان فرصة للتعرف على مجالات الاستثمار المتاحة في السلطنة بقطاعات الصناعة والزراعة والتجارة والسياحة وغيرها، التي توفر حافزًا قويًّا للاستثمار داخل السلطنة، إضافة إلى مزايا أخرى تدعم فرص الاستثمار في مقدمتها الاستقرار السياسي في البلاد، ومجموعة القوانين والنظم التي توفر الأمان لرأس المال الأجنبي، وفي المقابل يمنح فرصة مناسبة لرجال الأعمال العمانيين وشركات ومؤسسات القطاع الخاص بالسلطنة للتعرف على المناخ الواعد والكبير في جمهورية التشيك التي أبدى وزير خارجيتها الضيف استعداد بلاده لتقديم الدعم في مجال البحث العلمي والتكنولوجيا والخدمات، موجهًا الدعوة إلى رئيس غرفة تجارة وصناعة عُمان لزيارة جمهورية التشيك، والاستفادة من الخبرات في مجال التعاون الاقتصادي الذي أكد بدوره أن اهتمام السلطنة في الوقت الراهن يركز على استقطاب الاستثمارات الأجنبية لا سيما في بعض القطاعات الحيوية كقطاع الصناعة، حيث تتطلع الحكومة لاستقطاب استثمارات صناعية أجنبية في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية وعلى رأسها الصناعات المعرفية، والتعدين وقطاع الثروة السمكية ومشروعات تطوير المدينة اللوجستية في محافظة مسقط والمنطقة الاقتصادية في عبري وميناء صحار الصناعي والمنطقة الحرة في صلالة.
إذًا حراك سياسي واقتصادي لافت تشهده بلادنا وهو في أجمل صوره يؤكد أن النهج السياسي الحكيم للسلطنة جعل منها محجة ومقصدا لدول العالم.