الإنسان هو الكائن الحي الذي أنشأه الله في الأرض واستعمله لعمارتها وليكون سيدا على أحياء بيئة الأرض من الكائنات الحية والنباتات ، خلقه في أحسن تقويم وأودع فيه قدرات عقلية وجسدية وقابلية التكيف المستمر في سبيل تحقيق سعادته في الدنيا ونجاته في الآخرة وبذلك استحق أن يكون خليفة الله في الأرض، فأوكل إليه مهمة تعمير بيئة الأرض وإدارة عملية التغيير وبالمقابل جعله مسؤولاً من خلال تلك القدرات ،إلا أن إرادة الله شاءت أن تتضمن النفس الإنسانية جوانب الخير والشر فعلى الرغم من قوة العقل وإرادة الخير، فالإنسان كائن ضعيف تغلبه شهوات النفس ورغباتها فتعميه عن الحقيقة وقد تؤدي به إلى الخروج عن النهج الذي أراده الله، والذي يحقق فيه الانسجام مع قوانين البيئة التي خلقها الله فيسيء بجهله وشهواته إلى بيئته، وبالتالي إلى نفسه قال تعالى: (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن). من أجل هذا كان لابد من قانون الهي يرسم للإنسان السبيل الذي يبقيه دائماً بانسجام مع الطبيعة وقوانينها الالهية.
والله سبحانه وتعالى هو خالق الإنسان والبيئة والكائن البشري غير منفصل عن البيئة، فهو عنصر مميز من عناصرها ومكون فريد من مكوناتها وعلى ضوء كل ذلك فإن علاقة الإنسان ببيئته الطبيعية لا تتحول إلى سيطرة أو علاقة مالك بمملوك، إنما هي علاقة أمين استؤمن عليها قال تعالى: (هو انشأكم من الأرض واستعمركم فيها).
بكل ما يعني ذلك من وفاق وانسجام وتكامل معها، وبكل ما يترتب عليه من سلوك يفترض ان الإنسان بفضل طاقاته الخلاقة، ومن خلال تفاعله مع البيئة سيواجه أحداثا وتغييرات مستمرة لكل منها تغييرات يجب أن تمكث في إطار الحدود التي أوجدها بها الخالق قال تعالى: (وخلق كل شيء فقدره تقديراً) لأن هذا هو السبيل الكفيل وحده للاستمرار في التمتع بالخيرات الطبيعية عبر الزمان والمكان، ومن ثم ضمان البقاء والاستمرار للجنس البشري بمختلف أجياله الحاضرة والمقبلة، والخطوة الأولى في هذا السياق تمثلت في دعوة الإسلام إلى عدم الاسراف ومن ثم استنزاف الموارد الطبيعية وتبديدها قال تعالى: (كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين) وقال تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) والآية الكريمة تشير بوضوح إلى ان التلوث وفساد البيئة في الجو والبحر هو نتيجة لما يعمله الإنسان من تدخل سلبي لذا فهو يتحمل مسؤولية الضرر الذي يسببه ومن هنا نشأت النظرة الدولية لحماية البيئة وتنميتها.
ومن أهم جوانب حماية البيئة في الإسلام أن يكون هناك تفاعل إيجابي بين الإنسان والبيئة، وان يكون ذلك التفاعل شاملاً ولا يقتصر على زمان معين أو مكان معين، وليصبح جهد الإنسان موحداً وموظفاً توظيفاً حضارياً وتاريخياً في ضوء العقيدة الإسلامية، فلقد شجع الإسلام كل ما هو مفيد للبيئة الإنسانية والطبيعية، ووضع عقوبات على المسيء للبيئة بكل جوانبها، وبهذا ضبط دائم لسلوك الإنسان نحو الخير والعطاء والتضحية، والبعد عن الاثم والشر، وبالتالي يشكل هذا ركناً من أركان حماية البيئة في الإسلام، وبما أن العلم هو المدخل الصحيح للتربية بشكل عام، والتربية البيئية بشكل خاص، لذلك نرى الإسلام قد طالب الإنسان بطلب العلم، من أجل كشف قوانين بيئته الصحيحة والبيئة الكونية كما وجه الإسلام الإنسان نحو العلم النافع الذي تعود ثماره عليه وعلى بيئته بالخير، ولابد لفاعلية العلم من اعمال العقل وتدبر المعارف.
ونظم الإسلام العلاقة بين الفرد والجماعة ومن مقتضى المسؤولية التنبيه وايقاف أي إساءة من قبل الغير للبيئة الإنسانية، لأن تدهور النظام البيئي يهدد البشرية جمعاء سواء الذين ساهموا في أذية البيئة أو الذين لم يساهموا وبهذا يتحقق مبدأ الرقابة التي تسعى إليها التربية البيئية العالمية.
وفي مجال حماية البيئة الاجتماعية والصحية أيضاً نظافة الطريق وحماية الناس من أي أذى معنوي أو جسدي كما منع الإسلام تلويث الماء الراكد أو الجاري حتى من قبل الأفراد فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم ان يبال في الماء الراكد ومن هذه الشواهد يتضح ان تلويث البيئة والطبيعة والإنسانية أمر خطير في نظر الإسلام، ولو كان على مستوى فردي محدود كما أمر الإسلام بالحفاظ على الصحة العامة وحرم كل ما يؤذي صحة الفرد العقلية والجسمية والنفسية فحرم الخمر والمخدرات وكل الخبائث.
ودعا إلى أكل الطيبات من الرزق والاهتمام بالنظافة الجسدية، والعنصر الجمالي، أيضاً طور الإسلام علاقة الاحترام والعطف حتى مع بقية الكائنات الحية سوى الإنسان وفي ذلك حماية لمكونات أساسية في البيئة وحفاظ على النظام البيئي من التدهور، فعن عبدالرحمن بن عبدالله عن أبيه رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حُمّرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدهها إليها).
ومن مظاهر الاهتمام بحماية البيئة الإنسانية من الفقر وتطوير الحياة الاقتصادية؛وضع الإسلام قواعد إيجابية في استثمار الأراضي والانتفاع بها، وبذلك يقضي الإسلام على مشكلة كبيرة تعاني منها شعوب كثيرة الا وهي مشكلة التصحر نتيجة اهمال الأراضي الزراعية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له أرض فليزرعها، أو ليمنحها أخاه فإن أبي فليمسك أرضه)، فالمسلم مطالب بأن يزرع أرضه بنفسه أو يتيح لغيره زراعتها دون مقابل أو يعطي أرضه لمن يزرعها ويتحمل جانباً من نفقات الإنتاج مقابل شطر من الناتج وهي المزارعة.
وفي مجال التنمية الاقتصادية فإن النشاطات الإنسانية في مجالات الإنتاج والتنمية والتوزيع تحكمها قاعدة الحلال والحرام فالحلال هو ممارسة النشاطات النافعة للبيئة الطبيعية والإنسانية أما الحرام فهو النشاطات التي تؤذي البيئة الطبيعية أو الإنسانية ومن هنا فقد نظر الإسلام إلى الإنتاج النافع كواجب ولا يكتمل هذا الواجب الديني إلاّ به، وبهذا فإن الإسلام ينظر إلى الصناعات ضمن منظور مدى ضررها على البيئة وحماية المجتمع الإنساني ويمنع الجشع من وراء التطور الصناعي وما ينتج عنه من تخريب الوسط الغازي والصلب والمائي كما حدث اليوم، أيضاً وضع الإسلام حداً قاطعاً للتدهور البيئي الناتج عن الفقر وهو ما يعاني منه ملايين الناس في العالم ونظر الإسلام إلى الفقر على أنه خطر على العقيدة وخطر على الأخلاق وخطر على الأسرة وعلى المجتمع فوضع علاجاً للفقر من خلال فريضة الزكاة ونظام الميراث والإنفاق بأموال الكفارات والأوقاف وغيرها.
وفي مجال التنمية الاقتصادية ومكافحة الفقر أيضاً عمل الإسلام على التقريب بين الطبقات بتحريم الكبر ومظاهر الترف وحث الإسلام على التعاون والقرض الحسن ابتغاء مرضاة الله، ووضع الإسلام قواعد تمنع أي هدر في أي مورد فإن كان في الوضوء سرف وهو مدخل للعبادة فكيف بالاسراف والتبذير الذي يتعدى حدود الحلال والذي ينفذ بشكل واسع عند كثير من الأمم على مستوى الأفراد والجماعات.
وبما أن الزراعة من الموارد الأساسية التي تحمي بيئة الأرض فقد أولاها الإسلام عناية متميزة وجعل الاهتمام بها عبادة وبذلك نجد ان رسالة الإسلام قد اهتمت عن طريق التربية بتنظيم العلاقة بين مكونات البيئة، فوضعت نواظم وضوابط لمعاملة الإنسان مع نفسه، ومع الآخرين ومع الأحياء وكذلك نظمت العلاقة بين الإنسان وبين موارد الأرض والسماء، ودعت إلى حمايتها والحفاظ عليها وإنمائها وسخرت لتحقيق تلك الغايات تربية شاملة ممتدة مدى الحياة، من أجل هندسة سلوكية لإنسان متكامل يحمل حساً بيئياً سليماً وعميقاً لارتباطه الدائم مع موجد البيئة ومصمم قوانينها.
كل ذلك يجعل الإنسان المسلم يقدر البيئة الإنسانية والطبيعية ويقيها من التدهور والدمار من أجل تحقيق بيئة الأمن والسلام على الكرة الأرضية.

نسأل الله أن يوفقنا لمراضيه وأن يجنبنا مناهيه. وأن يجعل مستقبل حالنا خيرا من ماضيه. ...وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. ...

أحمد محمد خشبة
إمام وخطيب جامع ذو النورين بالغبرة الشمالية