الكلمة البليغة التي وجهها سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة من خلال الندوة التي حملت عنوان "إعادة صياغة الأمة" إلى الأمة الإسلامية حملت الكثير من الحلول الناجعة التي تعيد للأمة أمجادها ومكانتها المرموقة التي كانت عليها أو ما يمكن أن نطلق عليه "الخلطة السحرية" التي توقظ الأمة وتنتشلها من الواقع المزري الذي تعيشه.
لقد أكد سماحة الشيخ الخليلي أن: (الأمة أضاعت وقتا طويلا وهي تحمّل أعداءها أسباب إخفاقها في التدافع الحضاري وفوتت فرصا كبيرة كان يمكن أن تقوم عبرها بواجبها في الشهود الحضاري) .. هذه الكلمات الرصينة تدفعنا للتساؤل لماذا يعول العرب على غيرهم من الأمم الأخرى سبب تأخرهم في الوقت الراهن رغم أن زمام الأمور بأيديهم؟.
عندما جاءت فترة من الفترات واستعمرت الدول الكبرى الكثير من الأقطار العربية أغلقت عليها مجتمعها وعملت على تأخرها حتى لا تقوم لها قائمة تستطيع بها الفكاك من قيدها وتحرير أسرها .. ولكن مع صحوة الشعوب في دولة تلو الأخرى نالت جميع الشعوب استقلالها وحصلت على حريتها المنشودة باستثناء فلسطين المحتلة والذي يعد استعمارها بمثابة "مسمار جحا" الذي زرعته الدول الاستعمارية كي تضمن أن يستمر لها موطئ قدم تستطيع منه الدخول مرة أخرى للمنطقة العربية .. إلا أن الدول العربية والإسلامية رغم حصولها على الحرية المنشودة لم تستطع اللحاق بالركب ومسايرة التطور وخوض غمار الاختراع والتقدم وظلت محلك سر إن لم يكن قد تراجعت عن ذي قبل.
إن من ينظر للشعب الياباني بعد تعرضه للهجوم بالقنابل النووية في هيروشيما وناجازاكي لم يرتكن إلى وضعه المزري وأخذ يبكي على حاله ويلقي اللوم على الولايات المتحدة الأميركية في أنها السبب فيما حدث له بل آثر أن يحاربها بسلاح أقوى من أسلحتها فانتفض عن بكرة أبيه وواصل الليل بالنهار في العمل حتى تحقق له ما يريد من التقدم والتطور وغزت المنتجات اليابانية العالم أجمع وأصبحت تنافس مثيلاتها الأميركية وتفوقت عليها في كثير من الجالات لتنتقم لنفسها ولكن بسلاح العلم الذي هو أقوى من أسلحة الدمار الشامل.
الغريب أن حضارة العرب كانت النواة والأساس الذي بنى عليه الغرب نهضته العلمية الحديثة فمن البديهي أن النهضة الأوروبية لم تأت من فراغ لأن العلم كالبنيان يقام الطابق العلوي على آخر أسفل منه .. كذلك براءات الاختراع التي قدمها العرب وينكرها الغرب كانت السبب الرئيسي للنهضة العلمية الأوروبية وهذا يثبت أن العرب لديهم عقول مبدعة ولكنها تحتاج إلى من يستنهضها كما فعل اليابانيون ومن بعدهم الصينيون والنمور الآسيوية.
إن تعليق أخطائنا على شماعة الاحتلال لن تجدي نفعا ولن تدفعنا للأمام بل إن تخلفنا وتشرذمنا سيكون العامل الرئيسي في إعادة احتلالنا مرة أخرى .. فما تواجهه الأمة من تحديات تحدق بها من صوب وحدب يحتاج إلى إعادة النظر في السبب والبحث الجاد عن الحلول حتى تقوى الأمة على مواجهة هذه التحديات.
لاشك أنه يأتي على رأس السبل الناجعة التي تعيد للأمة مكانتها هو التمسك بالدين الحنيف ومبادئه الأصيلة .. فأساس أي نهضة هو الإيمان والأخلاق فعندما كانت الأمة متمسكة بمبادئ دينها وأخلاق رسولها الكريم صلى الله عليه وسلم كانت من أقوى الأمم وأكثرها حضارة وتقدما .. بينما عندما ضلت الأمة الطريق وفقدت إيمانها وانحرفت أخلاقها ودب فيها الفساد والكذب والنميمة والسرقة والقتل أصبحت في أسفل الركب وتذيلت قائمة التقدم .. لذلك يجب العودة مرة أخرى للتمسك بديننا وأخلاقنا واتباع سنة رسولنا ساعتها ستعود لنا قوتنا.
ثم يأتي بعد ذلك الاهتمام بالمنظومة التعليمية والبحث العلمي .. فما من تنمية تتحقق لولا العلم الذي يحمل الرؤية السديدة نحو البناء والتقدم.. وهذا الملف للأسف الشديد مازال قاصرا ومهملا في أمتنا الإسلامية فليس هناك استراتيجية محددة وميزانية ضخمة تتولى النهوض بالبحث العلمي لولا بعض الجهود التي لم تؤت ثمارها كونها غيض من فيض لا تؤثر في ظل التقدم المتسارع من حولها مع قلة الإمكانيات وعدم توافر المناخ المناسب.
لعل من أهم ما يقيل أمتنا من عثرتها هو رغبة أبنائها في ذلك ووعيهم الكافي لأسباب النهوض والتشبث بها والعمل الجاد المخلص .. فالعرب قديما كانوا يقدسون العلم ويعرفون جيدا قدر العالم ويوفرون له المناخ المناسب لكي يطور من علمه سواء كان هذا العالم عربيا أم إفرنجيا مسلما أم غير مسلم فكل ما كان يهمهم ما يقدمه للبشرية من علم نافع اعتبره ديننا الإسلامي من أهميته صدقة جارية.
للأسف تتسع الهوة التكنولوجية بيننا نحن أمة العرب وبين العالم المتقدم باستمرار ومع ذلك لم نحاول بذل جهد حقيقي لتضييق تلك الهوة واللحاق بركب المستقبل ولم يستوعب العقل العربي بما فيه الكفاية تفاصيل الثورة المعلوماتية الجديدة في محاولة منه للانخراط في مجتمع المعرفة بل على العكس نجد العالم العربي لا يهتم باقتصاد المعرفة ولا يسعى لامتلاك ناصيته رغم أنه أحد سبل التحكم والهيمنة.
نحن لا نريد أن نبكي على الأطلال وحال السابقين .. فقد آن الأوان لكي نعيد أمجاد أجدادنا بالانخراط في مجتمع المعرفة والمعلومات ونعمل أن نمسك بناصية العلم والمعرفة واستيعاب ما يجرى ويدور من أحداث ومعلومات حتى نتمكن من إصلاح مجتمعاتنا من التخلف الذي تعيش فيه.

* * *

مناهج داعش .. تدمير لعقول الشباب
لا يختلف اثنان على دور التعليم المحوري في تحقيق التنمية والنهضة لأية أمة .. فالارتقاء بالمستوى التعليمي للنشء وتطوير قدراتهم الذاتية وإكسابهم الخبرات العلمية والعملية أساس بناء الأمة ورقيها وتطورها ووصولها للتنمية الشاملة المنشودة .. إلا أنه على الجانب الآخر قد يصبح هذا التعليم هو أساس انهيار الأمة وضياعها وذلك مثلما يفعل تنظيم داعش الإرهابي فقد أعلن مؤخرا أن العام الحالي هو نهاية العمل بالمناهج الدراسية في العراق والشام ووضع مناهج تعليمية خاصة بالتنظيم من المقرر دراستها مع بداية العام القادم لمراحل التعليم المختلفة بدءا من المرحلة الابتدائية حتى الجامعة.
بالتأكيد المناهج الجديدة التي وضعها التنظيم الإرهابي الهدف منها هو زرع التشدد في نفوس الأجيال الجديدة والترويج لطريق التطرف والحث على القتل والتدمير وبهذه الطريقة يسيطر التنظيم ليس على الأراضي العربية فقط بل على عقول شبابها وأبنائها .. فهذه المناهج بمثابة غسيل المخ للأجيال الناشئة وهذا مؤشر خطير لأن مقاومة مثل هذه التنظيمات ستصبح أكثر صعوبة لو تم زرع هذه المبادئ الخاطئة في نفوسهم لأنه من المعروف أن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر .. فما بالنا لو كان هذا النقش مشوها ودمويا ساعتها لن يستطيع أحد تغيير الصورة المغلوطة في أذهانهم وتصحيح المفاهيم السلبية وتوضيح المبادئ الحقيقية للدين الحنيف.
لقد استعان التنظيم بمجموعة كبيرة من المتخصصين والخبراء العرب والأجانب في وضع هذه المناهج الدراسية وبأحدث سبل الإخراج الفني والتقني كي تستطيع هذه الكتب إبهار الطلاب وتوصيل الأفكار المنشودة بأسرع طريقة وبصورة لا يسهل محوها فحملت الأغلفة صورا للمقاتلين وأحاديث تحث على الجهاد ليخرج الجيل الجديد من المقاتلين التفجيريين لا التفكيريين.
المؤسف أن المادة العلمية التي تحتويها تلك الكتب مليئة بالأحاديث والآيات المحرفة من سياقها والتي تزرع في نفوس النشء إدمان القتل الممنهج وسفك الدماء وتكفير الغير والإفساد في الأرض وتعطي صورة خاطئة عن الدين الإسلامي الحنيف الذي يحض على السلام والتعايش الإنساني الراقي والابتعاد عن إيذاء الغير .. فلم يدع الإسلام في يوم من الأيام لسفك الدماء والقتل والتدمير بل اعتبر من يفسد في الأرض كأنما يحارب الله ورسوله.
الغريب هو أن التنظيم حذف من مناهجه العلوم والرياضيات بحجة مخالفتها للشريعة الإسلامية وهو ما يجعلنا نتساءل .. ألم يحث الإسلام على العلم والتعلم الذي هو السبيل للنهضة والارتقاء ؟.. ومما لاشك فيه أن هذا يدل على قصور العقلية الإرهابية وتجمدها وتخلفها إذا كيف كان سيحصل على ملابسه ومنزله وسيارته والكهرباء والمياه النقية والنفط الذي يدر عليه الآلاف والسلاح الذي يحمله لولا تلك العلوم التي حذفها من مناهجه!.
إن التنظيم يحاول أن يرسخ مفهوم الجهاد في نفوس الجيل الجديد عن طريق تدريس مادة تسمى "التربية الجهادية" في المرحلة الابتدائية وهذا مؤشر خطير لتشكيل أفكار الأطفال وفق أهدافه الخبيثة بحيث يستعصي تغييرها في المستقبل .. كذلك قام بإطلاق مسميات مختلفة على منظومته التعليمية فعلى سبيل المثال استبدل وزارة التربية والتعليم بديوان التعليم والتربية الرياضية بالإعداد الجهادي البدني والصف الأول الشرعي بدلا من الصف الأول الابتدائي وهكذا .. معتقدا خطأ بأنه بتغيير المسميات قد حقق نصرا وتقدما متناسيا أن الانتصار الحقيقي في وضع مناهج تحمل فكرا وتنمية ورؤية للبناء والتقدم تخرج علماء ومبدعين وليس مقاتلين.
لاشك أن الأمر لم يعد يحتمل الصمت بل يجب تنبيه الشعوب المغرر بها وتوعيتها بخطورة هذه المناهج الداعشية التي تربي أبناءهم على القتل والعنف والإرهاب وتنشر في مجتمعاتهم العداوة والبغضاء عسى أن تتمكن من إنقاذ أبنائها من هذه الأفكار المسمومة وتفويت الفرصة على التنظيم المتشدد لتحقيق مكاسب في المستقبل بعيدة كل البعد عن الدين.

* * *
حروف جريئة
• وزارة التعليم المصرية لجأت مؤخرا إلى خدمة مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الاتصالات المجانية في الهواتف الذكية مثل “واتس أب” للتعرف على مشاكل التلاميذ وأولياء الأمور والمعلمين وأوجة القصور في المدارس .. فكرة جيدة للاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في حل مشاكل التعليم.

• منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "فاو" أشارت مؤخرا إلى أن أسعار الغذاء العالمية سجلت في أكتوبر الماضي أكبر ارتفاع شهري منذ عام 2012 بسبب المخاوف من التقلبات الجوية وظاهرة النينو المناخية الناجمة من الاحتباس الحراري من التسبب في حدوث أضرار لإمدادات الحبوب والزيت والسكر .. هل أدرك المصنعون أنهم سيدخلون العالم في مجاعات قريبا بسبب الانبعاثات التي تصدر من مصانعهم ؟.

• ظاهرة جميلة بدأت تنتشر في الغرب حيث تفتح المساجد أبوابها للزوار من جميع الأديان في فعاليات للتعريف بالإسلام ومبادئه وقيمه وشعائره .. هذه خطوة إيجابية نحو تغيير الصورة السلبية عن الدين الحنيف وتعزيز التواصل بين المسلمين وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى.

* * *
مسك الختام

قال تعالى : "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر".

ناصر اليحمدي