مازال المشهد الفلسطيني على حاله، فبهمة شباب الجيل الحالي تعود عافية الحراك إلى شوارع وساحات فلسطين، كما تعود ثوابته لتؤكد أن الجيل الذي قيل إنه " أوسلوي " أي ولد لحظة الاتفاق المشؤوم بين دولة الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين والذي عقدت عليه الآمال بان يكون " واقعيا " كما قيل يومذاك، اي مستسلما، هو يعتبرالآن منظما لهذا الحراك، مفعلا لتلك الهبة التي سوف تنتظم رويدا لتكون انتفاضة جديدة تحسب لها إسرائيل ألف حساب.
فلقد عودنا الفلسطينيون في مثل هذه الحالات أن تمتد بانتفاضتهم الأيام وحتى السنوات وأن يكون بعدها حدث في حجم التقديمات الوطنية التي يكون فيها الشعب قد قدمه. ولأن القدس مثار التحديات بين طرفي إسرائيل وفلسطين، بل إن المسجد الأقصى هو ساحة التجاذب الفعلي التي قادت الانتفاضة الثانية، فانها اليوم تتلألأ امام عيون الفلسطينيين مثلما كانت دائما دافعا قويا للانتفاض على الحال الذي بلغته قضية شعب فلسطين.
ولأن للقدس وأقصاها معنى وجوديا للفلسطينيين، وهو بالمقابل تمسك إسرائيلي كما تزعم بالمدينة المقدسة واعتبارها عاصمة أبدية للكيان الصهيوني، المحتل، فمن باب الحلول التي يظن أن لها قيامة ما، طرح الفرنسي مقترحه بوضع المدينة المقدسة تحت اشراف دولي، على أمل أن يخفف ذلك من طبيعة الصراع الذي تكون القدس على الدوام مصدره.
المقترح لم يعش لحظته حيث رفضه الإسرائيلي بشدة من الباب الذي يعني الكيان المحتل وهو أن المدينة إما أن تكون تحت السيطرة الإسرائيلية بشكل كامل وإما غير مقبول أي اقتراح بشأنها يكف يد إسرائيل عنها. وبذلك تم خنق المقترح في مهده من قبل إسرائيل، في الوقت الذي كان يمكن أن يكون واسطة خير وأمان محتمل في معالجة أمن المدينة.
في كل الأحوال ليست المرة الأولى التي يهرب فيها الإسرائيلي من مقترح الإشراف الدولي، فإسرائيل تعتبر نفسها دائما أنها فوق الدول وفوق مقترحاتها، فهي في الأساس ضربت عرض الحائط بكل القرارات الدولية ولم تقدم على تنفيذ أي منها، وفي طليعتها قضية المستوطنات التي شكلت دائما أخطر ما قام به المحتل الإسرائيلي من تحد صارخ للوجود الفلسطيني في الضفة الغربية، إضافة لما تجاوزه لاتفاقية أوسلو التي ظلت حبرا على ورق.
بعد كل هذا، وبعد التعنت الإسرائيلي، وبعد رفض ما يقترحه العالم من حلول وسط بشأن مسائل تخص القضية الفلسطينية، فإن من حق الشعب الفلسطيني أن يعود إلى ساحات نضاله وأن يشعل من جديد الأرض التي يقف عليها، فليس أمامه ما يخسره سوى الانتظار الممل، والكذب السافر الذي تمارسه حكومة نتنياهو، مع أن الصحافة الإسرائيلية زادت من وتيرة التهجم على رئيس حكومتها لأسلوبه في معالجة الواقع الفلسطيني بكل تشعباته.
ليس أمام الفلسطيني إذن سوى جسده المتحرك في الساحات وعقله المهيأ للشهادة، بل ليس أمامه سوى ان يقدم تجليات انتفاضته متجاوزا قياداته المهادنة وشكل ادارتها في الرد على إسرائيل في كل الاتجاهات. ولسوف تنعم فلسطين بما سيقدمه شعبها من مشاهد تزيد من التراكم الوطني الفلسطيني ليكون الرصيد الدائم لشعب لن يموت أبدا مهما فعلوا به ومهما تآمروا عليه أو منعوه من حقه في التعبير عن مآلاته.