حين تكون الرؤية واضحة تجاه القضايا الوطنية، تتفتق الأذهان عن حلول إبداعية للمحافظة على مصالح الوطن والمواطن في خضم معركة بناء الأوطان ورفع أعمدة الدول العصرية، وفي خضم تحقيق تنمية شاملة ومستدامة تأخذ بالحسبان ضرورات الحاضر والمستقبل، ويكون الإنسان قبل ذلك هو منطلقها ومحركها الفاعل لما لديه من قدرة عقلية وفكرية وعضلية تمكنه من تنفيذ أهداف التنمية وتحقيق غاياتها وبناء الاستراتيجيات الناجحة من أجلها.
النهضة العمانية الحديثة في ظل القيادة الحكيمة والرؤية المستنيرة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ قدمت ولا تزال تقدم كل يوم استحقاقها شهادات التقدير والاحترام على نجاحها في الوفاء بما نادت به منذ بزوغ فجرها بأهمية بناء الإنسان العماني وتحقيق التنمية المستدامة الشاملة يكون الإنسان قطب الرحى فيها، فحققت من خلال ذلك أهداف بناء الإنسان ونجحت في تلبية تطلعاته، وكرَّست كل جهد ممكن لرفد التنمية الشاملة المستدامة بما تحتاجه من بنى أساسية وخطط وموازنات مالية وموارد بشرية، ولعل النجاح الأبرز يكمن في أن الرؤية المستنيرة للقيادة الحكيمة انطلقت في وفائها بالوعد من الارتكاز على تنمية شاملة ومستدامة، وليس على تنمية اقتصادية، فالأولى مفهومها يقوم على تطوير الأرض والمدن والمجتمعات والأعمال التجارية بشرط أن تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها؛ أي تلبية احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية. أما الثانية فمفهومها يقتصر على تحسين المستوى المعيشي والصحة والمستوى الاقتصادي لمنطقة معينة، ورفع مستوى الإنتاج ونصيب الفرد من العملية الإنتاجية.
التقرير الذي أصدرته مجموعة بوسطن كونسلتينج (جروب ـ BCG) وأكد أن السلطنة تفوقت على دول الخليج وبقية دول العالم في عدد من مجالات التنمية المستدامة من ضمنها: الاستقرار الاقتصادي والصحة وتساوي الدخل والمجتمع المدني والحوكمة والبيئة، جاء مؤكدًا حقيقة ثابتة؛ كل شبر من أرض عُمان يشير إلى ذلك، ومقدِّمًا في الوقت ذاته شهادة استحقاق وتقدير جديدة لمسيرة النهضة المباركة ومسيرة التنمية الشاملة والمستدامة التي جاءت من أجلها، تضاف إلى رصيد الشهادات العديدة التي نالتها.
وقد استند تقييم المجموعة الصادر عنها التقرير إلى أداء الدول في تحويل الثروة إلى رفاهية عبر مؤشرات اجتماعية واقتصادية، وهو تقييم يؤشر على نجاح التوجه نحو بناء الدولة العمانية العصرية وأهمية أن ترتكز على حشد كل طاقات الوطن التي تشمل الإنسان والموارد، وترسيخ أواصر الوحدة الوطنية بكل ما تعنيه من قوة وتماسك وتعاضد وترابط بين أبناء هذه الأرض الطيبة، وتحقيق الشعور العميق بالأمن والأمان في كل ربوع الوطن، حيث انطلق الإنسان العماني إلى عمليات الإسهام في التنمية والبناء بكل طاقاته وقدراته مطمئنًا على حاضره ومستقبل أبنائه.
وأمام ذلك، انفتحت فرص التعليم المجاني والعلاج المجاني، وأبواب التطور والتقدم والرقي واسعة أمام المواطنين على أساس من تكافؤ الفرص، دون تمييز لتحقيق تطلعاتهم وطموحاتهم، ورؤية الآمال التي تجيش في صدورهم حقيقة ماثلة أمام أعينهم، وذلك في إطار تنمية شاملة ومستدامة يتمتع المواطن بثمارها الطيبة أينما كان على أرض عُمان الخيرة، وهو ما يعبر عنه واقع الحياة اليومية للمواطن وما تم إنجازه على امتداد ما ينيف على أربعة وأربعين عامًا، وما تؤكده ملامح المستقبل المشرق في جميع المجالات.
حفظك الله ورعاك وأيدك بتوفيقه وأكلأك ميامين كرمه ولطفه يا راعي مسيرة هذا الوطن الذي وهبته جل جهدك وعصارة فكرك وصنعت معه وبه تجربة حكم وتنمية تشكل اليوم إحدى الصفحات المشرقة في التاريخ البشري المعاصر.. تجربة حضارية فريدة في نوعها، ملهمة لغيرها، بالنظر إلى عوامل الزمان والمكان والظروف والتحديات غير المتوقعة.