ما يشهده العالم من نهضة وتطور وسباق تقني في مختلف المجالات ونمو مطرد في العلوم وتأمين المقومات الأساسية للحضارة الانسانية والتوسع في الخدمات ومعالجة ما ينتج من سلبيات سببها الانسان نفسه أو مسارات تشهد بعض الانحرافات عن الواقع الذي يفترض أن تكون عليه، لاشك سببه الرئيسي الرقم الذي تقوم عليه حضارات الأمم والشعوب، فالمؤشر الاحصائي هو في الواقع من يصنع تلك الحضارات خاصة اذا ما تم توظيفه بالشكل العلمي المطلوب، من خلال الاستناد الى الاحتمالات المتوقعة في التراكم العددي السنوي لزيادة حجم السكان المرتبط به بطبيعة الحال كل مجالات الخدمة التي يحتاجها بدءا من أبسط الأمور حتى أعظمها ومن أسهلها تقنيا الى أعقدها استخداما، وبالتالي فإن توظيف الرقم في تلك المسارات التنموية وفق مراحل زمنية له العديد من الايجابيات خاصة في مجتمع ينمو بمعدل سنوي معروف سلفا، مما يساعد ذلك واضعي الخطط والمعنيين بالبنى الأساسية في الحكومة وإعداد الخطط والبرامج التي تستوعب اي زيادة متوقعة ليس فقط في أعداد البشر وإنما الاحتياجات الاساسية والضرورية والكماليات التي يحتاج لها لعشرات السنين القادمة.
فالرقم الاحصائي الذي يوفره المركز الوطني للاحصاء بشكل دائم في عديد المجالات لدعم صناعة القرار الذي يفترض ان يتخذ في اي تخطيط حالي ومستقبلي لم يلمس المجتمع أثره حتى الآن، على الرغم من كل الجهد والآليات والأدوات المستخدمة في استخراجه من بيانات خام وبناء للمنهجية ثم استخراج الاحصاء أو المؤشر الذي يمكن ان يستند اليه في رسم ووضع السياسات المطلوبة لصناعة دولة ذات معدل منخفض جدا في ازماتها الاجتماعية والاقتصادية والاسكانية وتلك المرتبطة بتوفير الاحتياجات الأساسية من ماء وكهرباء وطرق ونقل وصحة وغيرها من الاحتياجات الأخرى التي تدخل في حياة الانسان والمجتمع اليومية، فعلى سبيل المثال لماذا الإصرار بالاستمرار في إعداد مخططات إسكانية تجارية ذات البناء الرأسي دون مراعاة ان تخصص مساحة معقولة لمواقف سيارات من سيستخدم او يشغل المباني التي ستشتمل عليها تلك المخططات، أليس في ذلك تجاهل لعدم استخدام المؤشر الاحصائي اذا وجد او غياب التنسيق بين الجهاز المعني بصناعة الرقم الداعم للقرار والجهة المعنية بوضع المخططات اذا لم يتوفر مؤشر في ذلك؟ الا يمكن ان يسبق ذلك تنسيق لدراسة اي مخطط قبل البدء في التوزيع لمعرفة الإعداد التي يمكن ان تكون في ذلك المخطط على مدى ٥٠ سنة قادمة من اجل تأمين الاحتياجات التي يتطلبها من سيستخدم ذلك المخطط خلال تلك الفترة الزمنية؟.
إننا وفي ظل الجهد المتسارع لصناعة الرقم الاحصائي الداعم للقرار التنموي لمختلف اجهزة الخدمة في البلاد يحتم علينا البعد عن العشوائية في وضع مخططات الخدمة والابتعاد عن القرار الاحادي ذي الرؤية الإحصائية المؤسسية الفردية وليست المركزية التي يراعى من خلالها كل الأبعاد والمسارات المُحتملة، فما تعانيه مسقط اليوم وهي عاصمة البلاد من أزمات مرورية على سبيل المثال سببه الرئيسي ذلك الحبل الذي استخدم في توزيع مساحات الاراضي والشوارع والطرقات بداية السبعين، فضلا عن التكدس السكاني غير المدروس وغياب النظرة البعدية لما سوف يكون عليه أعداد البشر وما يستخدمون من وسائل انتقال بعد عشرات السنين، مع العلم ان الرقم الذي كانت تبنى عليه الخطط في تلك الايام مليونين من السكان، الا ان ما كانت تسير عليه الخطط خلال التنفيذ لا يوضع الا لخدمة ربما ثلث هذا العدد، مما كلّف الدولة لمعالجة ذلك أموال طائلة لو كان التخطيط سليما من البداية لاستفاد منها في مسارات تنموية اخرى.
ومع ايماننا بان الجميع يسعى كل في مجاله لتقديم الخدمة المؤكل بها وفق المسار الذي ينطلق منه والاجتهاد الذي يبني عليه قراراته بدافع وطني لاشك في ذلك في ظل غياب العمل المؤسسي الجماعي، الا ان ذلك لا يعدو ان يكون جهدا مبعثرا تقوم به وحدة خدمة فيؤثر بشكل او باخر على اداء وحدة خدمة اخرى فعلى سبيل المثال وضع مخطط سكني اذا لم تراع فيه الطرقات التي تستوعب الحركة المرورية المتوقعة خلال عدد من السنوات القادمة سيتطلب ذلك جهودا مضاعفة من الجهة المعنية بتسهيل الحركة المرورية، لذا لابد من الالتفاف حول من يقوم بصناعة الرقم الاحصائي والاستفادة مما يقدمه من خدمات احصائية يفترض ان لا تكون داعمة للقرار التنموي وإنما ملزمة وواجبة للأخذ بها في التنفيذ لان الرقم في عصرنا الحالي هو من يبني الدولة الحديثة التي ترثها الأجيال القادمة بنِسَب أزمات قليلة.

طالب بن سيف الضباري
أمين سر جمعية الصحفيين العمانية
Dhabari88@hotmail. Com