[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
قربوا، واقتربوا من المواطنين .. هكذا كان جوهر توجيهات قائد البلاد ـ حفظه الله ورعاه ـ وقد تم التشديد عليها منذ عام 2011، وهذا العام يشكل نقطة تحول أساسية غيرت الكثير من المفاهيم والرؤى والسياسات والفاعلين بعد أن انكشف واقعنا على مجموعة اختلالات كبرى عمقت الفجوة بين المواطنين وكيفية تأمين حقوقهم وكذلك بين كيفية الحصول عليها، وكذلك بين المواطنين ومن شرفوا بتولي مسئولية الخدمة العامة، فالتوجيهات السامية تعني كسر البيروقراطية، وتعني التخفيف من حدة المركزية الجامدة، تسهيلا للمواطنين في ظل تموقعاتهم الجغرافية البعيدة عن المركزية، فكيف يبدو الوضع الآن بعد مرور (خمس) سنوات من التوجيهات السامية المشددة على التقريب والتقرب ؟
تبدو لنا من خلال بعض النماذج المهمة، وكأن الوضع يرجع بنا الى الماضي، أو كأننا لم نغادره ، لن نفتح سوى قضية واحدة فقط، فكفى بها استدلالا ودلالة تقييمه، وكفى بها مقارنة بينها وبين قضايا أخرى ، من هنا نقول إنه عندما يجبر الباحث عن عمل السفر الى مسقط قاطعا أكثر من (ألف) كيلومتر لتقديم أوراقه للجهات الحكومية العارضة لفرص العمل، ومن ثم العودة مرة أخرى للمقابلات، فهذه معاناة نفسية ومالية واجتماعية كبيرة، وفي حالات كثيرة ضياع وقت، لا مبرر لها أبدا، وتتعارض شكلا ومضمونا مع التوجيهات السامية، ولسنا ندري لماذا لا تزال العديد من الجهات الحكومية،، تصر على تحميل المواطنين مجموع هذه المعاناة ؟ ربما لغياب المساءلة والمحاسبة، فمن يحاسبها على عدم تطبيق التوجيهات السامية؟ فهل هناك من جهة عليا تراقب الجهات الحكومية في عمليات تطبيقها للتوجيهات والسياسات؟ العبرة تظل دائما بالنتائج ، والنتائج تنفي وجود مثل تلك المؤسسات حتى لو كانت موجودة ، وهى غير موجودة ؟ إذن ، من يحس بنا ؟ نطرح هذا التساؤل بصوت مرتفع تعبيرا عن ذوات كثيرة من بينها ذاتنا، وانضمام ذاتنا للذوات الأخرى قد جعلنا نشعر بمعاناتهم عن قرب رغم أننا قد كتبنا عنهم عدة مقالات، لكن الاحساس بمعاناتهم شيء والشعور بها شيء آخر،، ﻣﺎﺫﺍ ﻧﻘصد ﺑﺎﻟﺸﻌور؟ ﻭ ﻫﻞ ﻳﺮﺍﺩﻑ ﺍﻹﺣﺴﺎﺱ؟ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﺎ ﻳﺨﻠﻂ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻭ ﺍﻹﺣﺴﺎﺱ، ﻭيقدمونهما مترادفين ، في الحقيقة ﻫﻤﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺎﻥ : ﻓﺎﻹﺣﺴﺎﺱ وظيفة تقوم بها الحواس ، وكل حاسة من حواسنا الخمس تستجيب لمنبهات أو مثيرات نوعية ، وقد كانت حواسنا تستجيب ادراكا لمعاناة أن يسافر باحث / باحثة عن عمل من صلالة أو مسندم ... الى مسقط لتقديم أوراقه ومن ثم العودة اليها مرة أخرى من أجل الحصول على فرصة عمل مقرها ولايته أو محافظته ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺣﺎﻟﺔ تعم كل الذوات ، وقد عممت ذاتنا حالة الباحثين عن عمل لما وجدنا أنفسنا نبحث عن فرصة عمل لجزء أصيل من ذاتنا، وتساءلنا، هل يعقل أن نقطع تذكرة طيران صلالة مسقط صلالة (64) ريالا وحجز فندق واستئجار سيارة من أجل تسليم أوراقه فقط ،ويوجد لتلك المؤسسات فروع لها في صلالة؟ وهل يجب أن يعود مرة أخرى بنفس التكاليف من أجل المقابلات ؟ علما (نكرر) بأن مقر الوظيفة المعروضة للباحثين في صلالة ؟ ونعرف شابا – وما أكثرهم – قد صرف أموالا كثيرة على عشر سفرات من أجل البحث عن فرصة عمل .. إنها خسارة مالية واضحة، وخروجا عن التوجيهات بصورة سافرة، لن يحس بها المسئول ، لكن لها تأثيرات نفسية ومالية واجتماعية كبيرة، ولا تجعلنا نتحرر كليا من البعد المناطقي، وتزداد هذه المعاناة إذا ما كان من بين المتنافسين على الوظيفة أو الوظائف باحثات عن عمل ، فهذه المعاناة تتضاعف، فبدل التذكرة ستكون تذكرتين، وبدل الغرفة المفردة ، ستكون الغرفة مزدوجة .. وقد وجدنا في مسيرة بحثنا المسقطية امرأة تحمل ابنتها إلى إحدى الوزارات للمقابلة، وقد عانت كثيرا من دفع ثمن أربع تذاكر صلالة مسقط صلالة في رحلتين مكوكتين غير السكن والمواصلات، وجدناها من الصباح الباكر حيث الحر والرطوبة تنتظر في مرتفعات المطار بداية العمل الرسمي حتى تفتح بوابة الوزارة بعد أن تركتها سيارة الأجرة هناك ، ابنتها هى أملها الوحيد بعد الله عز وجل في الغد الآمن من أجل العيش الكريم ، ومن أجل الحفاظ على كرامتها بعد وفاة زوجها التي لم تنجب منه سوى الاناث ، لذلك ، فهى تتحمل مجموع تلك المعاناة بصبر الألم لغد الأمل، فمن يحس بها وبمثلها ، كنا نتوقع أن نرى المسئول الاول في الوزارة أو الثاني المختص أو على الاقل مسئول رفيع يتفقد سير المقابلات ، ويبعث برسالة اطمئنان للباحثين وأهاليهم ، ويستقصى آراءهم لكي يتأكد بنفسه عن مدى الرضا المجتمعي عن سير عمليات واجراءات اختيار الأنسب منهم ، فكيف يمكن أن يعرف مثل هذا المسئول عن حجم معاناة المواطنين بسبب ثقل الجغرافيا وتمركز صناعة القرار وتخليص المعاملات داخل الوزارات في تهميش لفروعها ؟ فكيف يعرفون عن مثل قصة تلك الأرملة مع ابنتها وهم في أبراجهم العالية المحصنة ؟ قصة عشناها ، وتعايشنا معها بعقولنا وقلوبنا ، ونقول من خلالها ،،حرام ثم حرام ثم حرام ،، أن تعذبوا المواطنين ، وتلكم خلفياتهم الاجتماعية والمالية ، ونقول لهم كذلك ،، أنكم تقفون بعيدين كل البعد عن تطبيق التوجيهات السامية ،، فمن يحاسبهم ؟
إنها فعلا قضية محيرة، الوظائف تعرض مركزيا، وتقدم الأوراق مركزيا، ويجري عليها التنافس مركزيا، ومقار عملها اللامركزي، فما قيمة مديرياتها ومراكزها التابعة لها في صلالة مثلا ؟ إذا جردناها من مثل تلك الصلاحيات ، فسيكون وضعها كدائرة وليس مديرية بعد أن فرغنا محتواها من مسماها ، وسحبنا منها الثقة والصدقية والمصداقية ، مديريات ومراكز حكومية في صلالة لا يعطي لها الصلاحية في استلام حتى المستندات الرسمية للباحثين عن عمل ، ولا اجراء المقابلات .. فما فائدة ان تأخذ تلك المسميات الكبيرة، وهى في الواقع فاقدة الثقة، ليس هناك من تفسير سوى ذلك أو إن فاعليها لا يريدون تحمل مسئوليتهم الوظيفية، وإذا كانت هذه الجزئية صحيحة، فإن تغييرهم قد أصبح مطلبا وطنيا الآن، لأن تداعيات ذلك يمس بنيان مموننا البشري، ورغم ذلك، فالمسئولية تقع على عاتق القمم السلطوية وليس السلط الدنيا، وهنا، نتساءل عن دور مركز الاتصالات للخدمات الحكومية التابع للامانة العامة لمجلس الوزراء التي تم انشاؤه بتوجيهات سامية؟ فهو بمثابة أداة من أدوات الرقابة على تقييم الاداء الحكومي، هل الخطأ كونه تابعا لمجلس الوزراء ؟ فهل الرقابة تكون فعالة وفاعلة إذا كانت الحكومة تراقب نفسها بنفسها ؟ وهنا، ربط هذه المركز المهم بالمؤسسة السلطانية، وكفى بذلك رادعا، ويرفع تقاريره لعاهل البلاد حفظه الله ،، وكفى بذلك رادعا ،، ويختار له شخصية وطنية لا تنتمي لأي لوبي مهما كان لونه، وليس عندها اشكاليات ترابية ولا فكرية .. الخ ولو فعلا فعل هذا المركز، فسوف يعمل على التأكد من أن كبار الفاعلين الحكوميين يعملون على تطبيق التوجيهات والسياسات في كل المجالات وليس في هذا المجال فقط ، وهذه مسألة جوهرية ، لأن في مضامينها أي التوجيهات والسياسات اثقال وحمولات ديموغرافية ذات إكراهات وزنية كبيرة ، كانت هى السبب في ولادتها، فهل ينبغي أن تطبق أم نجعلها تتراكم نفسيا واحتقانا ؟