الصمود في وجه الظروف هو مقياس شديد الأهمية ومعيار لا يخطئ مؤشره، ونهضة عُمان الحديثة قدمت شهادة استحقاقها للبقاء، ذلك لأن وراء هذه النهضة عقلية مدبرة ورؤية تكاملية تجمع مفردات الماضي والحاضر وتنسج منه قلعة صمود تحتضن المتحصنين فيها وتوفر لهم حاجاتهم الأساسية وتؤويهم في ساعات الشدة. إنها رؤية راعي النهضة وغارس شجرتها ومتعهدها بالري من عصارة جهده وحبات عرقه، ولا يألو جهدًا يمكن إضافته إلى صرح النهضة ليعزز أركانها. إنه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي سجل في صفحات التاريخ تجربته مع بناء وطن والارتقاء بمعيشة شعب وفي زمن قياسي عبر به إلى بر الرفاهية والأمان.
ومن نعم الله وكرمه على هذا الوطن أن أحاط بعنايته ورعايته قائد مسيرة النهضة العمانية المعاصرة وأسبغ عليه نعمة الصحة والعافية وعودته إلى أرض الوطن سالمًا معافى ليواصل قيادة شعبه نحو المزيد من التشييد والبناء الذي يعلي شأن عُمان ويصون رايتها خفاقة وفق الرؤية الشاملة التي حدد معالمها حين نطق بوعده الكريم في عام سبعين وتسعمئة وألف.
إن الكلمة السامية التي تفضل بها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ لدى ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء الموقر ببيت البركة العامر أمس أعطت بُعدًا آخر للصورة الوطنية المتكاملة التي رسمتها النهضة المباركة بقيادة جلالته الحكيمة، وأكدت تلك الحالة الخاصة والاستثنائية لاحتضان قلبه الأبوي ووجدانه الكبير لهذا الوطن الغالي ومواطنيه الأوفياء، وأنهما على الدوام مناط عناية ومتابعة نابعتين من المسؤولية الكبيرة التي حملها جلالته تجاه الوطن وشعبه الوفي، والتي أخذت بدورها طابعها الوجداني وحجزت مكانها الوثير في قلوب أبناء عُمان الأوفياء، كما حملت كلمة جلالته أمس العديد من المعاني والدلالات والتوجيهات التي تشكل منهاج عمل واضح من أجل بناء مستقبل أفضل للوطن والمواطن، فجلالته كما عهدناه دائمًا نعم المُوجِّه والمرشد إلى أصائل الأعمال، وواضح المنهج القويم لكل إنجاز من المنجزات التي نعيش في أكنافها، والتي يشهد بها الواقع دون تجمل أو تزين.
واستهلال جلالة السلطان المعظم للكلمة السامية في كل مرة بالتوجه إلى الله عز وجل بالحمد والثناء على نعمائه، لهو استهلال دال على التواضع الجم والتسليم بمشيئة الخالق عز وجل من قبل ومن بعد، واعتراف بعظيم فضله على ما أسبل من نعمة الصحة والعافية على جلالته، ثم إن شكره للمواطنين والمقيمين كافة على ما أظهروه من مشاعر صادقة ودعوات مخلصة لهو دليل على مدى العلاقة الحميمة والمتميزة التي تربط جلالته بأبناء شعبه، ومدى الاحترام والتقدير لجلالته من المقيمين، وكذلك دليل على ارتياحه ـ أعزه الله ـ لما تحقق على أيدي أولئك المخلصين والمخلصات من العمانيين والعمانيات من منجزات هي في الأساس وليدة فكره الرصين ورؤيته الثاقبة وحدبه على أن يضيف في كل يوم جديد وفريد إلى رصيد نهضة عُمان الحديثة وذخيرة الوطن والمواطن للأجيال الحالية واللاحقة.
وما كان هذا الشعور الفياض بالامتنان والولاء الذي أبداه أبناؤه وبناته في هذا الوطن العزيز لهو رد فعل تلقائي وتعبير عملي عن الاعتزاز بما تحقق لنا على يديه الكريمتين وأيضًا بمثابة رسالة حرص على تنفيذ توجيهاته بالحفاظ على ما تحقق والمبادرة إلى التنفيذ الأمثل للبرامج المستقبلية، حيث أشار جلالته ـ أيده الله ـ إلى ضرورة الإسراع في وضع الخطط الكفيلة بتحقيق التنويع الاقتصادي واستكمال المشاريع الكبرى ذات النفع العام وجذب المزيد من الاستثمارات، وتفعيل مجالات الشراكة مع القطاع الخاص، ومواصلة العمل لتشجيع إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في ظل ما يتوافر لها من مقومات مؤسسية ومالية، ما يكفل إقامة قاعدة اقتصادية صلبة لاقتصادنا الوطني من شأنها أن تحقق إنجازات ترفع معدلات النمو في اقتصادنا الوطني وتتيح مزيدًا من فرص العمل لأبنائنا من الشباب والشابات المتوثبين والمتوثبات لتحقيق الأمل المنشود على المستويين العام والخاص.
ومن الدلالات المهمة على اهتمامه بالسلم والأمن الإقليمي والدولي استعراض جلالته ـ أبقاه الله ـ للتطورات الإقليمية والدولية، حيث تفضل جلالته فأكد على أهمية الجهود الدولية الرامية لإحلال الأمن والاستقرار والوئام في المنطقة لما فيه المصلحة المشتركة لجميع شعوبها، وحرصه على التوازن الدقيق بين مصالح كل الأطراف في المنظومة الدولية حتى ينعكس هذا التوازن على الداخل العماني بمزيد من الاستقرار والتواصل مع مراحل بناء نهضتنا الحديثة.
فليبارك الله خطاك يا قائدنا المفدى، ونسأله أن يديم عليك نعمة الصحة والعافية ويمنَّ عليك بالعمر المديد لتظل لعُمان والعالم من حولها نعم الركن الركين والناصح الأمين.