[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
منذ عشرات السنين وتحديدا في الخمسينات من القرن الماضي قال الشاعر العراقي بدر شاكر السياب: "أكاد اسمع العراق يذخر بالرعود / ويخزن البروق في السهول والجبال " .. لم يكن الاميركي قد احتله، وليس لـ "داعش" وجود على ارضه، ومع ذلك يستند كلام الشعر احيانا الى رؤيا عميقة .. وبعده بسنوات صرخ الشاعر عمر ابو ريشة " أمتي هل لك بين الأمم / منبر للسيف او للقلم / الاسرائيل تعلو راية / في ربى المهد وظل الحرم".
وكلما قلبنا في هذا النوع من النتاج الشعري الذي اقتحم الأمة ان بلغة الرؤيا او بالوصف او بالتثوير، فإن واقع الأمة كانت تعبث به رياح الألم وتشده معوقات داخلية، فيما تهزه رياح خارجية. وباختصار كان العالم العربي معرضا للأزمات بشكل دائم، وفي تاريخه ما يؤكد .. ألم يتعرض لتمزيق سايكس بيكو، ثم ترن فيه جريمة بلفور ويتحقق الوعد بقيام الكيان العدو الذي دفع المنطقة كلها إلى زلزال سوف لن يتوقف إلى ان يكتب النهاية لهذا الكيان الباطل.
لقد فرخت اسرائيل أيضا عداوات داخل البنية العربية ذاتها كأن تدافعت في الحياة العربية حروب فيما بين اقطارها كانت اسوأ بكثير من الوجود الصهيوني في قلب الأمة. كلها ارهاصات تنم عن وهن الجسد العربي امام المحن الكبرى، وكلها شرقطات في الوقت نفسه تؤكد ان العرب كان بإمكانهم ان يغيروا ما حولهم وما بداخلهم إلى نتائج لصالحهم، كأن توظف المقاومة الفلسطينية لمصلحة الأمة فتكون الطليعة الثورية التي يبنى عليها حراك عربي شامل يغير موازين الواقع ويجعل وجود اسرائيل على المحك وكذلك كل اشكال الاستعمار والامبريالية واي وجود غاصب او دخيل.
نحن الذين عشنا ورأينا، انشغلت عيوننا برصد الهمهمات الثورية التي تفجرت واقعا من المؤسف انه لم يعش كما كان حلم المقاومة الفلسطينية .. وها هو الوجه النير لها في حزب الله مثلا يتعرض لما تعرضت له تلك المقاومة .. كانت فلسطين على بعد امتار ذات يوم فصارت في غياهب المجهول، كانت ثورة شعب من اجل قضية عظمى، تحول بعض هذا الشعب اليوم إلى مذهب وطائفة.
هكذا تقتل الثورات كي تموت الأمم وتعم فيها الفوضى كما حال اليوم .. وهكذا يأخذون حزب الله إلى الطائفة والمذهب كي يندثر اثره ايضا .. ففي لغة الزواريب والأزقة لا تبنى ثورات، بل لصوص وقيم غير حضارية.
ترى لو كان الشاعر السياب حيا ليرى عراقه الذي شاهد فيه تلك الرؤيا، وقد احتله الاميركي بكل جحافله، فإذا بأرضه تهتز طربا وهي تخرج قوى مقاتلة، لكن اللعب على التاريخ ظل قائما فأخرجوا له ارهابا احتل ارضه ايضا وتمكن من ان يقيم واقعا يحتاج لدماء كثيرة كي تغسله. وتلك هي ايضا حال سوريا التي تمسك خيوط عروبتها كي لا تقع، ويقدم جيشها تعبيرا راقيا كي يحمي الوطن الجريح.
والعداوات العربية بمنطقها الثابت لم تتغير، كأنها فعل خارج ارادتها، أو هي نسيان لعمر من التكوين الذي يراد له ان يتحول إلى أزمة ثابتة في تكوينه.
لنا الله في هذا الوجع الذي حولنا إلى قتلة عربا ومقتولين عربا ولكن الكل مغدورون في النهاية لأن لا منتصر فيهما ولا غالب ابدا.