تفرض الأحداث العالميَّة والإقليميَّة نوعًا جديدًا من التنسيق والتشاور للخروج بموقف موحَّد يعكس الإرادة الخليجيَّة والعربيَّة، خصوصًا في ظلِّ الأزمات الحرجة التي يمرُّ بها العالم، حيث تتأثر دوَل المنطقة العربيَّة بتداعياتها الكبرى، وتطوُّراتها الجيوسياسيَّة والاقتصاديَّة الإقليميَّة والدوليَّة، خصوصًا المرتبطة بالقضيَّة الفلسطينيَّة، وتحديدًا مع وصول الحكومة اليمينيَّة المتطرفة لحُكم دولة الاحتلال الإسرائيلي، وما تُبديه من ممارسات قمعيَّة تطول قمَّة السُّلطة الفلسطينيَّة في الأراضي المحتلَّة، حيث تشهد المنطقة مخاوف من تصاعد الأحداث جرَّاء الإجراءات الاستفزازيَّة التي تمارسها الحكومة الجديدة للاحتلال الإسرائيلي، وقيام ما يسمى بـ”وزير الأمن القومي” لدولة الاحتلال المتطرف ايتمار بن غفير باقتحام باحات المسجد الأقصى، وحالة القمع المصاحبة لتلك الزيارة التي تنذر بتصاعد الأحداث داخل الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة، إلى جانب الملفات الإقليميَّة السياسيَّة والاقتصاديَّة كالملفِّ اليمنيِّ والسوريِّ والاتفاق النوويِّ، وتطوُّرات الأزمة في أوكرانيا.
ومن هذا المنطلق تأتي أهميَّة اللقاء الأخوي لقادة دوَل مجلس التعاون لدوَل الخليج العربيَّة وجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ملك المملكة الأردنيَّة الهاشميَّة وفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربيَّة، والذي عقد أمس في دولة الإمارات العربيَّة المُتَّحدة الشقيقة، حيث شارك حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ تلبيةً لدعوةٍ من أخيه صاحب السُّمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربيَّة المُتَّحدة، في هذا اللقاء الأخوي، وبحَثَ مع أشقَّائه أصحاب الجلالة والفخامة والسُّمو عددًا من الملفات الإقليميَّة والدوليَّة.
ورغم عدم الإعلان عن الملفات التي ناقشها هذا اللقاء الأخوي، إلَّا أنَّه ـ دُونَ شَكٍّ ـ مثَّل فرصةً لبحْثِ العلاقات الأخويَّة المتينة وسُبل تعزيزها ودعمها بما يوطِّد التعاون ويدعم التنسيق في كافَّة المجالات لخدمة المصالح المشتركة، كما أنَّ هناك عددًا من الدلائل تشير إلى أنَّ القضيَّة الفلسطينيَّة في صُلبِ المباحثات، خصوصًا وأنَّ هناك قمَّة ثلاثيَّة مصريَّة أردنيَّة فلسطينيَّة سبقت هذا اللقاء في القاهرة أمس الأول، ودعت المُجتمع الدوليَّ إلى توفير الحماية للشَّعب الفلسطينيِّ وحقوقه المشروعة، وتكثيف الجهود لإيجاد أُفق سياسيٍّ حقيقيٍّ يُعِيد المفاوضات الجادَّة على أساس حلِّ الدولتَيْنِ، والتحذير من استمرار غياب الأُفق السياسيِّ وتداعياته على أمن واستقرار المنطقة، خصوصًا في ظلِّ الإجراءات الإسرائيليِّة الأحاديَّة الجانب، التي تعمل على نسْف فرص السلام.
إنَّ هذه القمَّة الخليجيَّة المصريَّة الأردنيَّة جاءت في توقيت شديد الحساسيَّة، سواء لِمَا تمرُّ به الأراضي الفلسطينيَّة من أحداث، ستؤثِّر على أمن واستقرار المنطقة ككُلٍّ، حيث تسارع دولة الاحتلال الإسرائيليِّ من خطواتها الاستيطانيَّة، وتعمل على مصادرة الأراضي الفلسطينيَّة، وما يصاحبها من هدمٍ للمنازل وتهجيرٍ للفلسطينيين، واقتحامات للمُدن الفلسطينيَّة في الضفَّة، وإرهاب وقمع مفرط وإعدامات ميدانيَّة لأبناء فلسطين العُزَّل، بالإضافة إلى الانتهاك الإسرائيليِّ الواضح للوضع التاريخيِّ والقانونيِّ القائم لمدينة القدس ومقدَّساتها، ما يستلزم موقفًا عربيًّا موحَّدًا، يُمثِّل فيه قادة دوَل الخليج ومصر والأردن الثقل المطلوب لتحقيقه. وإلى جانب القضيَّة الفلسطينيَّة ثمَّة عددٌ من الملفات الأخرى الاقتصاديَّة والسياسيَّة هي الأخرى تُمثِّل همًّا مُشترَكًا، وتؤثِّر على دوَل المنطقة والعالم، حيث الأمن والاستقرار والتنمية والنُّمو الاقتصاديُّ يُعدُّ مطلبًا شَعبيًّا ورسميًّا، ولسان الحال يقول: كفى حروبًا وتشتُّتًا وتمزُّقًا وفتنًا.