(1) انقلاب أوكرانيا على روسيا
لم يخطر ببال الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلنسكي، أنه إنما يستفز الدبَّ الروسي الشرس عندما يوغل بالتحدي، في محاولاته الانضمام لحلف الناتو.
لذا، سقط زيلنسكي في فخ الناتو المزدوج الذي عدَّ العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، من أجل ثنيها عن قرار زيلنسكي أعلاه، فرصة تاريخية لاستدراج الكرملين إلى حرب استنزاف تمتص وتستهلك “فائض القوة” الروسية على نحو متواصل، برغم مخاطر اندلاع “حرب عالمية” ابتداءً من أوروبا، وهي حرب لا تبقي ولا تذر، تبدأ عن طريق النفخ في “بالون” زيلنسكي حد الانفجار. وهكذا تم استدراج بوتين لحرب استنزاف، أولًا، واستدراج زيلنسكي، الحالم بالانفصال عن الإمبراطورية الروسية التاريخية، ثانيًا، بل وفي آنٍ واحد.
والحقُّ، فقد اكتملت الصورة، كما أراها، عندما تم استقبال زيلنسكي، بطلًا تحرريًّا، في البيت الأبيض، إذ قلت في دخيلتي وأنا أشاهده جالسًا مع بايدن: لماذا يضحي هذا الرجل بشعبه في حرب ضروس من هذا النوع، معتقدًا بأنه قد قفز إلى مرتبة البطولة؟
وهكذا، تمكن حلف “الناتو” أن يضرب عصفورين بحجر: إضعاف روسيا بحرب استنزاف طويلة الأمد، وتخريب أوكرانيا (سلة غذاء العالم) استنزافًا، وحربًا بالإنابة. هذه هي غاية الحنكة والدهاء، إذ إن زيلنسكي أخذ يعتقد الآن بأنه قد أصبح بطلًا قوميًّا تاريخيًّا، بالضبط كما حدث للرئيس العراقي السابق، صدام حسين، عندما وقع في فخ “الاحتواء المزدوج” Double Containment ساحبًا إيران معه إلى ذات الفخ الذي أحرق نفط العراق ونفط إيران الغزيرين، بلا رحمة بالشعبين، بفترة قياسية قدرها ثماني سنوات عجاف!
(2) انقلاب ترامب على شرعية الانتخابات الرئاسية:
على الرغم مما يحاول الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، أن يوحي به من حنكة ودهاء يتميز بهما، إلا أنه ما يلبث وأن يجد نفسه حبيسًا في فخ محكم لا يستطيع الإفلات منه الآن وإلى الأبد، خصوصًا بعد إعلان لجنة 6 يناير التحقيقية منعه من تسنم أي منصب حكومي في المستقبل.
لذا، قاد اندفاعه المفرط لتفنيد نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة ورفضها، مدفوعًا بالجماعات العنصرية البيضاء (التي تؤيده) وبعضلاته المالية الأسطورية، أقول مندفعًا ليس إلى فخ الإدانة والحرمان من المناصب الحكومية فحسب، بل إلى مراجعة دقيقة (لم تكن تخطر بباله قط) لسجله وسجل شركاته العملاقة بقدر تعلق الأمر بالتحايل على وكالة الضرائب الأميركية التي تُعد من أقوى أذرع الحكومة الفيدرالية، درجة مقارنتها بـ”البنتاجون” أحيانًا!
زد على هذه “اللخبطة” التي وضع الرئيس ترامب نفسه في وسطها، تتزايد احتمالات إدانته قانونيًّا (بمباركة وزارة العدل)، ليس بسبب التهرب الضرائبي فقط، بل كذلك بسبب استهانته بالأمن القومي الأميركي بعدما “أخفى” وثائق أمنية قومية حساسة لحفظها في خزاناته الشخصية داخل قصره الأسطوري “مارالاجو” القائم في ولاية فلوريدا.
وهناك ثمة جماعات فاعلة تتوعد الرئيس دونالد ترامب بأسوأ وأبشع المصائر، ملوِّحة له ولطموحاته بالعصا الغليظة. إن التجسس على المؤسسة الأميركية الحاكمة، بوصفها القلب النابض للولايات المتحدة، تدل على أن هذه المؤسسة غير المرئية على استعداد للتضحية بـ”ترامب” لحظة تهديده لها أو مساسه بوجودها وبأمنها، عمودًا فقريًّا للاتحاد الفيدرالي الممتد، جغرافيًّا، بين ولايتي الآسكا وفلوريدا بمأمن من نزق ومشاكسات أفراد أقوياء من نوع ترامب!


أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي