تأتي اجتماعات الأُمم المُتَّحدة التي تنعقد للمرَّة الأولى منذ عامَيْنِ بسبب تداعيات جائحة كورونا “كوفيد19”، التي حالت دُونَ انعقادها بشكلٍ مباشر في السنتيْنِ الماضيتيْنِ، وتمَّ الاكتفاء بكلمات عَبْرَ الإنترنت، في وقتٍ شديد الصعوبة، فبدلًا من أنْ تكُونَ الاجتماعات منبرًا لحلِّ الأزمات الكثيرة المتفاقمة على مستوى العالم، شهدت انقسامات واسعة بَيْنَ قادة العالم الغارق في الأزمات المتنوِّعة التي تبدأ بالحرب في أوكرانيا إلى الكوارث المناخية، وصولًا إلى انعدام الأمن الغذائي، مرورًا بتبعات الأزمات الاقتصادية والنَّقص الحادِّ في السِّلع الأساسية، بالإضافة إلى أزمة الطاقة المتفاقمة التي تأتي ونصف العالم الشمالي يتَّجه نَحْوَ فصل الشتاء الذي يزيد فيه استخدام الطاقة. لذا فقادةُ العالم المجتمعون منذ الثلاثاء الماضي لمدَّة أسبوعٍ، أمامهم فُرصةٌ لمحاولة رأب الصدع لمواجهة تلك المشاكل والأزمات التي باتت تهدِّد حياة الإنسان على المعمورة، وتعصف بمقدّراته، والبُعد عن السياسات التي أوصلتنا لِمَا نحن فيه من معضلة كبرى.
وجاء خطاب أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأُمم المُتَّحدة الافتتاحي للدَّورة السابعة والسبعين للجمعية العامَّة للأُمم المُتَّحدة ليؤكِّد حساسية تلك الاجتماعات وخطورة الموقف العالمي، حيث أكَّد أنَّها تأتي في لحظة خطر كبير بالنسبة للعالم متحدثًا عن “نزاعات وكوارث مناخية” إضافة إلى “الريبة والانقسام” و”الفقر وانعدام المساواة والتمييز”، وغيرها من المخاطر المحدقة التي تحيط بالبشرية جمعاء، إلَّا أنَّه واضح أنَّ تحذيرات الأمين العام لَنْ تجدَ أذانًا مُصْغية، فالفيلق الغربي جاء إلى الاجتماعات مستخدمًا كلَّ الطُّرق لجعل الحرب الأوكرانية الروسية هي محور تلك الاجتماعات، وتناسى وجود أزمات كبرى لا تقلَّ خطورة عن تلك الحرب/ الأزمة. وهناك قضايا أكبر من تلك الحرب، خصوصًا أنَّنا لم نقضِ بعد على وباء كورونا، ناهيك عن تداعياته، بالإضافة إلى أزمات المناخ والفقر المدقع الذي يضرب رُبع سكَّان الكوكب تقريبًا.
وحتى نستطيع وقف الصراع في أوكرانيا، علينا أولًا بذْل جهود مخلِصة تسعى إلى وقف النزاعات في كافَّة المناطق المُلتهبة في المعمورة، فكما قالت رئيسة وزراء بربادوس ميا موتلي (لا نريد التحدُّث فقط عن وضْع حدٍّ للنزاع في أوكرانيا. نريد أنْ تنتهي النزاعات في تيجراي، نريد أنْ تنتهي النزاعات في سوريا، نريد أنْ تنتهي النزاعات أينما كانت في العالم)، لذا فإصرار الغرب على اختزال الأزمة في الحرب الأوكرانية الروسية، سواء كان ذلك بهدف الحصول على الطاقة، أو بهدف الصراع السياسي القائم بَيْنَ الغرب وكلٍّ من الصين وروسيا وحلفائهما، واختلاف المصالح، يَجِبُ أنْ يتخطى الجميع مصالحه الآنية، وأنْ تكُونَ الاجتماعات فُرصة لمناقشة الأزمة الإنسانية التي تُشكِّل خطرًا على جميع سكَّان الكرة الأرضية، بدَل التحزُّب والتشرذم وراء مصالح بعض القوى، التي تجدُ في الأزمات ضالَّتها وتعمل على تعظيم أرباحها، ليصل التضخُّم حَوْلَ العالم لغُول كبير يأكل المقدّرات التنموية للدوَل كافَّة، وعلى رأسها الدوَل الناشئة والنامية، التي باتت أكثر فقرًا جرَّاء تعاظم خدمات الديون، وارتفاع أسعار السِّلع المبالغ فيه.
إنَّ المؤشِّرات التي سبقت الاجتماعات غير مبشرة، وتشير إلى أنَّها لَنْ تكُونَ فُرصةً لتحقيقِ المرجوِّ، فالانقسامات الجيوستراتيجية التي لَمْ تكُنْ أبدًا بهذا الحجم منذ الحرب الباردة على الأقلِّ... تشلُّ الاستجابة العالمية لهذه التحدِّيات الهائلة، وأضحى الأمل في توحيد العالم بعيد المنال، كما يتضح من المناقشات حَوْلَ مشاركة الرئيس الأوكراني عبر الفيديو، في ظلِّ غياب قادة أكبر قوَّتيْنِ فعَّالتيْنِ في العالم وهما روسيا والصين، حيث يُعدُّ غيابهما وتقليص معظم البعثات الدبلوماسية حضورها مؤشِّرًا سلبيًّا يعصف بالمرجوِّ من تلك الاجتماعات، وذلك على الرغم من أنَّ أزمات مِحورية مِثل أزمتَيْ الفقر والغذاء، ستكونان حاضرتيْنِ بقوَّة وستكونان مِحور العديد من الفعاليات، بجانب أزمة المناخ ونقْصِ الطاقة والتضخُّم، ونرجو أنْ تنال تلك الأزمات الأهميَّة خلال النقاشات المصاحبة لتلك الاجتماعات الأُممية.