أ.د. محمد الدعمي:
لست أشك بأن الدوافع والإرهاصات التي كمنت خلف قرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بغزو أوكرانيا يمكن أن تنقلب على نفسها كي تغدو أداة لهزيمة منكرة تعود عليه بعكس ما كان ينوي أن يحققه: بدليل التضامن الدولي الذي تشكَّل ضد أحلام بوتين بإعادة روسيا إلى موقعها، كقوة عظمى ثانية، موازية للولايات المتحدة الأميركية وكابحة لتفردها دوليًّا.
وإذا كنت قد أطلقت عنوان "التضامن الدولي" المضاد لروسيا بوتين، فإني، في حقيقة الحال، أتوقع أن يفضي هذا "التضامن"، الذي قد يبدو (على السطح) "لنصرة الضعيف على القوي"، إلى تحالف غربي جديد تتولى الولايات المتحدة قيادته ليحل محل تحالفات ما بعد الحرب العالمية الثانية، حلف شمال الأطلسي Nato "ناتو"، خصوصًا. علمًا أن الأحلاف والتكتلات الدولية غالبًا تتغير وتستبدل جلدها حسب معطيات الساعة عالميًّا، كما حدث بعد تأسيس "حلف بغداد" (السنتو Cento) 1955، و"حلف وارسو" Warsaw.
أما "فرصة أوكرانيا الذهبية" لتشكيل حلف غربي من أجل لجم موسكو، فهي فرصة لا يريد العالم الغربي أن يضيعها ليودع موسكو كقوة عالمية ثانية بعد حقبة التفرد الأميركي منذ نهاية تسعينيات القرن الزائل.
لذا، لن تدخر الدول الغربية (المتحالفة مع واشنطن) جهدًا (ماليًّا واعتباريًّا) لإبقاء الخنجر الأوكراني مغروزًا في خاصرة روسيا، بعد أن منحت الأخيرة الدول الغربية الرأسمالية هذه الفرصة الذهبية لتوجيه اللكمة القاضية للاتحاد الروسي الآن وإلى الأبد.
هذا هو سر تكاتف أغلب حكومات دول العالم (ومنها دول العالم الثالث) على بوتين، ليس من أجل استبداله بزعيم روسي آخر (كما أعلنت واشنطن ذلك صراحةً)، ولكن لاستبدال حلمه في روسيا مشابهة بروسيا الشيوعية إبان الحرب الباردة، أو لاستبداله بحلم أكثر تواضعًا، حلم لا مجال فيه للتشبث الفردي ولا لتجاوز الخطوط الحمراء المسموح بها بعد نهاية الحرب الباردة!
وبعكسه، كيف يمكن للمرء أن يفسر عشرات الخناجر التي راحت تطعن "الدب الروسي" من كل حدب وصوب حتى أخذ يتهاوى، بعد أن بقي أصحاب الخناجر مترددين، خشية أن يفوز بوتين بأوكرانيا الآن وإلى الأبد.