د. يوسف بن علي المُلَّا:
بعد مرور عامين على جائحة كورونا (كوفيد-19)، أصبح العديد من الناس، أو المجتمعات في دول مختلفة مستعدة للإعلان عن انتهاء فصل أزمة كورونا، والانتقال إلى فصل جديد! فهل يمكننا أن نناقش إلى حدٍّ ما إذا كان هذا التراجع سابقًا لأوانه؟ أم أن الأكثر وضوحًا لنا أننا قد مررنا بمنعطفات مماثلة من قبل ـ في نهاية الموجة الأولى ـ ومرة أخرى في منحدر ما قبل متحور "دلتا". بل وفي كل مرة، عاد الفيروس مرة أخرى؟ وهكذا رأينا كيف أن فيروس كورونا، لم ينتهِ معنا، ولعلَّنا في حاجة إلى نهج جديد للتعامل معه.
حقيقة أجزم هنا، أن ما ينتظرنا ليس نهاية كورونا، ولكن هي بداية مرحلة السيطرة أو التحكم لدينا، حيث إنه سيتعين علينا أن نستثمر في تدابير معيَّنة لتقليص عبء الفيروس إلى حجم يمكن التحكم فيه بشكل أكبر. بمعنى آخر ـ وإن استطعت القول ـ إن ما يحدث هي اللعبة الأكبر والأطول التي يتعين علينا التفكير فيها. وبلا شك، حتى التفكير في السيطرة على فيروس كورونا، وعلى المدى الطويل يعني التغلب على بعض حدود معرفتنا. وربما سيعتمد مستقبلنا على كل من التطور المستمر للفيروس، الذي يستحيل التنبؤ به في الوقت الحالي، وعلى استجابتنا، والتي ستعتمد على قوة مواردنا واستعدادنا!
ومما لا شك فيه، أنه مع فيروس كورونا، فإن أحد الأشياء الوحيدة التي يمكننا التأكد منها هو أن السيطرة عليه ستكون صعبة. فهو ينتشر بشكل خفي وسريع، ويمكنه القفز بين العديد من أنواع الحيوانات؛ فنلاحظ من دراسات متعددة كيف أنه يغير شكله بشكل متكرر، بحيث تواجه أجهزتنا المناعية صعوبة في تتبعها، وبالتالي سيجعل من الصعب قمعه. ومع ذلك وبوجود الأدوات التي لدينا ـ من بينها اللقاحات والعلاجات والاختبارات والكمامات ـ، يمكن أن يمتد المخطط الزمني للتحكم لفترة طويلة بشكل غير عادي... أوَليس ذلك ممكنًا؟ ألا نرى أنه بعد آلاف السنين من التعايش مع البكتيريا المُسبِّبة لمرض السُّل مثلًا، والتي تقتل حوالي مليون ونصف شخص سنويًّا، لا تزال البشرية تحاول تقليل عبئها العالمي حتى الآن؟!
من ناحية أخرى، نعلم أن التحكم في فيروس كورونا لن يكون ثابتًا. وربما في هذه المرحلة، يمكننا أن نتوقع أن يتضاءل المرض ويختفي. لكنَّ إيقاف الفيروس، وإبقاءه هناك، سيتطلب مراقبته حتى عندما يبدو نادرًا. ناهيك أنه لا يمكن أن تأتي جميع التدخلات والإجراءات لمواجهة جائحة كورونا وتستمر، بل إن بعض الأدوات أو الإجراءات الوقائية تعمل على المستوى الفردي، وهذه بالفعل هي بطاقات البدل لمرحلة التحكم. وبشكل لا لبس فيه ـ وكما رأينا في مرحلة ما من الجائحة ـ فنجاح أي منظومة صحية لا يعتمد فقط على القدرة والتخطيط، ولكن على القبول العام من الناس والمجتمع. فلن تعمل الحماية إذا لم يكن هناك من يرغب في تبنِّيها.
ختامًا، يعي الجميع أن الاستجابة يجب أن تتغيَّر بخطًى ثابتة مع التهديد، وهكذا يمكننا التدرج في خططنا الصحية لمواجهة أي وباء، بدلًا من مجرد فرض إجراء وتشغيل كل شيء أو إيقافه! قد يكون مثل هذا النظام مشابهًا تقريبًا لكيفية تصنيفنا للأعاصير ـ التي مرَّت علينا ـ والاستجابة لها. في معظم الأوقات، يمكن أن تستمر الحياة كالمعتاد، وأدواتنا في وضع الاستعداد، وأنظمة المراقبة لدينا تدق، ولكن بمجرد أن يبدأ الخطر في الظهور، ستبدأ الحماية وإجراءاتها في العودة إلى مكانها.