افتتح امس الأول في سينما سيتي بدمشق فيلم " الأم " للمخرج الفلسطيني باسل الخطيب. ليكون بذلك أول فيلم سوري تعرضه الصالة منذ إعادة افتتاحها قبل خمسة أشهر في يوليو الماضي. بعد أن كان فيلم "مريم " (لـ باسل الخطيب) ايضا آخر الأفلام التي عرضتها، قبل إغلاقها في بداية العام 2012.
فيلم "الأم" هو الجزء الثاني عن النساء زمن الحرب ويقول الخطيب إنه:" مستوحى من قصة حقيقية، تدور أحداثها في ظل المأساة الكبيرة التي تعصف بحياة الإنسان السوري اليوم". وهو يروي قصة إنسانية تدور أحداثها في سوريا مطلع العام الحالي، ويعرض لتداعيات الأحداث الدائرة بالبلاد على عائلة بسيطة وكيف قلبت هذه الأزمة حياتهم رأساً على عقب، حيث يتناول الأمومة بما تمثله من أحاسيس نبيلة والارتباط بالأم الذي يمتد إلى ارتباطنا بالأرض والعلاقات الإنسانية التي يمكننا من خلال تعميقها تجاوز الأزمة بشكل أفضل. ويشارك في بطولة الفيلم كل من صباح الجزائري وسلاف فواخرجي وديمة قندلفت ونورا رحال، والتي سجلت عودة سينمائية بعد غياب دام 17 عاماً يفصلها عن فيلم "الترحال" إضافة إلى لينا حوارنة- أحمد رافع-ورنا كرم. وفي تصريح لـ الوطن " اكد المخرج الخطيب ان فيلمه " الأم " لن يخيب ظن الجمهور السينمائي ولن يكون إلا بسوية فيلمه "مريم"، الذي حاز العديد من الجوائز العالمية. وبيَّن الخطيب أن فيلم "الأم" يُعدّ الفيلم الثاني من ثلاثيته السينمائية التي بدأ العمل عليها منذ فيلمه الأول "مريم" والتي ستنتهي بفيلم "أهل الشمس" الذي ما زال قيد التصوير حالياً.. ويوضح الخطيب أن كل فيلم من هذه الأفلام ورغم أن الموضوع واحد فيها يختلف اختلافاً كلياً عن الآخر سواء من ناحية الأحداث أو التركيب الفني أو المعالجة البصرية، مشيراً إلى أن الهدف من كل هذه الأفلام هو التركيز على مجموعة من الأفكار والقيم التي يأسف لتراجعها في حياتنا في ظل المأساة التي نعيشها بحيث لم يعد لها الوقع والتأثير الكبير الذي كانت تتمتع به في السابق. ولأن حالة اللا مبالاة وعدم الاكتراث بما يدور حولنا هي واحدة من أكثر أزمات الإنسان كان من الضروري بالنسبة للخطيب أن يسلط الضوء على هذا الواقع من خلال فيلمه " الأم" موضحاً أن الإنسان المعاصر اليوم أصبح يعيش وهو يتجاوز أموراً حقيقية وجوهرية كثيرة، في حين أنه يجب التوقف عندها ليكون لنا فيها موقف واضح. من هنا يشير الخطيب إلى أن الفيلم يدعونا لأن نكون إيجابيين وفاعلين في الحياة تجاه الناس والأشياء والقيم لأن هذه السلبية سيكون لها تأثير سلبيّ كبير علينا، لذلك كان من الضروري برأيه أن يدعو الجميع من خلال "الأم" للالتفاف حول الأمور الجوهرية والحقيقية في الحياة، موضحاً أن مفهوم الأم في العمل لا يشير إلى الأم المرتبطة فقط بالعائلة وإنما يتسع معناها لتصبح الوطن.
ولإيمان الخطيب الحقيقي بأن المرأة هي أصل الحياة وهي الأم والأخت والزوجة والحبيبة ولديها القدرة على التحمّل والتضحية أكثر من الرجل، وفي حالات كثيرة يستمد الرجل قدرته على الثبات منها عندما يكون ضعيفاً. من هنا كانت المرأة القاسم المشترك لأفلامه الثلاثة (مريم- الأم- أهل الشمس) مؤكداً أن هذه الأفلام هي تحية موجهة منه للمرأة السورية في هذا الزمن العصيب لأنها اليوم وفي ظل ما تمر به سورية هي الخاسر الأكبر والحقيقي سواء كانت أماً أو زوجة أو أختاً، مبيناً أنه وأن بدا أنه يركز في أفلامه على المرأة التي تبدو للوهلة الأولى ضحية إلا أن الجمهور سرعان ما سيكتشف أنها البطل وليست الضحية، فالشخصيات النسائية في فيلم " مريم" مثلاً كانت تتعرض للمحن والأزمات وتبدو ضحية إلا أننا وأثناء تقييم الفيلم وبنظرة نهائية له نلاحظ أن كل شخصية من تلك الشخصيات قد تحولت إلى بطلة بكل معنى البطولة الإنسانية، وحول قصة الفيلم فيبين الخطيب أنها حكاية بسيطة جداً وهي مستمدة من قصة حقيقية كان الخطيب شاهداً عليها عبر السنتين الماضيتين وهي تتحدث عن أم تعيش وحيدة في القرية، تموت فجأة فيجد أولادها وبناتها صعوبة في العودة إلى القرية في هذه الظروف فيسلط الفيلم الضوء على المخاطر والصعوبات التي تواجههم للوصول إلى القرية ليكونوا موجودين في مراسم الدفن والقيام بالواجب الإنساني تجاه أمهم، مبيناً أن الفيلم رحلة في ذكريات هؤلاء الأبناء مع والدتهم الراحلة، وبنفس الوقت رحلة في العودة إلى القرية، ليتضح في النهاية أن الأم استطاعت حتى في لحظات موتها أن تجمعهم من جديد بعد أن كانوا متفرقين دائماً.
وحول فيلمه الجديد "أهل الشمس" يؤكد انه يتناول الأزمة التي نعيشها اليوم بشكل مباشر رافضاً تأجيل الموضوع بحجة أن الوقت ما زال باكراً على فعل ذلك. ويقول إن النص الذي كتبه بنفسه يبحث في الواقع الاجتماعي السوري خلال سنوات الأزمة الراهنة حيث التركيز الأكبر على المأزق الإنساني الذي يعيشه السوريون بمختلف شرائحهم وتوجههاتهم كما أنه ينقل صورة الحقائق على الأرض دون أي تحريف ما يشكل وثيقة تاريخية للأجيال القادمة. واعدا الجمهور بأنه سيشاهد فيلماً لا يقلّ مستوى عن فيلميه "مريم" و"الأم". الكتابة عملية صعبة ويعترف الخطيب ككاتب لسيناريو الفيلم أن الكتابة أمر معذِّب بشكل عام، وأن كتابة سيناريو فيلم سينمائي أمر ليس سهلاً كما يتخيله البعض بحيث يمكن أن تتدفق الأفكار بمجرد الجلوس وراء الطاولة. من هنا يؤكد أن إخراجه لعشرة أفلام أسهل من كتابة سيناريو لفيلم واحد لأن الكتابة برأيه عملية صعبة تستغرق وقتاً وجهداً وتُحدِث تغييراً في نفسية الكاتب، أما ما هو إيجابيّ في كونه الكاتب والمخرج لثلاثيته أنه يخرج الفيلم أثناء الكتابة وبالتالي عندما يبدأ التصوير تكون كل الرؤى والأفكار واضحة وجاهزة بالنسبة له لأن كل تفاصيل الفيلم يبنيها على الورق قبل أن تدور الكاميرا. وحول تسمية الفيلم بأهل الشمس أوضح الخطيب أن سوريا باللغات القديمة هي بلاد الشمس وأن السوريين هم بالفعل أهل الشمس.