قيس الخزيري :
الرازق الله وحده، فلا تقلق ـ أخي المؤمن ـ من فوات الرزق عليك، أو ضياع شيء من حظوظ الدنيا عليك، فلا تنام الليل وتترك الطعام وتضايق من حولك من الناس وتشتم وتسب هذا وذاك، وكأنّ الدنيا انقلبت رأسًا على عقب، كل هذا لن يرد عليك ضياع مال ذهب عنك، أو خسرت وظيفة معينة كنت تود الحصول عليها، اعلم علم اليقين أنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ـ كما ورد في الحديث الشريف،
كن موقنًا أن الله بيده ملكوت السماوات والأرض وهو لم يمنعك إلا ليعطيك ولم يبتليك إلا ليعافيك ولا امتحنك إلا ليصافيك.
وهذا الأمر لا يعني أن يسكت المؤمن عن المطالبة في حقوقه أو الرضوخ إلى مصاعب الحياة دون دفعها، بل يسعى ويجتهد ويواصل عمله برحابة صدر والتوكل على الله، ففي الحديث:(لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا)، وهذا السعي سيثمر لا محالة، (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى* وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى) (النجم 39 ـ 40)، والبركة سيجنيها المؤمن المراعي لحقوق الله السائر في طريقه وتمتد هذه البركة فتشمل أسرته والمجتمع من حوله، ويأخذ بأسباب الرزق، ومن ضمنها الاستغفار واللجوء إليه (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) (نوح 10 ـ 12)، واجتناب المنهيّات، وقد ورد عن الزنا بأنه يورث الفقر، ومع كلام أهل العلم في صحة الحديث إلا أن الواقع يشهد بذلك والعلم عند الله تعالى.
والإنسان التقي والورع قد يأخذ بالأسباب ويتوكل على الله ويشاء الله سبحانه أن يبتلي هذا المؤمن الصابر في نفسه أو ماله وليس عليه سوى الصبر والدعاء وسؤال الله الإعانة ومجاوزة هذه المحنة (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة 155 ـ 157)، فتكون المصيبة وأثرها على قلبه بردًا وسلامًا فهو يعرف وموقن أن ما عند الله خير وأبقى (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (الأعلى ـ 17).