الحديث الحسَن واسطة ما بين الحديث الصحيح والحديث الضعيف، لذلك فإن معرفته تنبني على معرفتهما، وقد مضى تعريف الحديث الصحيح، أما الحديث الضعيف فهو ما لم يثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، ويقدم الحديث الحسن في الذكر في كتب علوم الحديث على الحديث الضعيف لكونه أقوى منه.* تعريف الحديث الحسن وقسماهالحُسْن لغة نقيض القبح، والحسن من الأعمال هو ضد السيء، ويوصف به كمثل أن يقال: زيد حسَن، وحديث حسَن، لذلك فإن النفوس تقبله لحُسْنه ولا تأباه.وقد تفاوتت العبارات قليلاً في تعريف الحديث الحسن في الاصطلاح، وعلى العموم فإن شروط الحديث الحسن هي نفس شروط الحديث الصحيح إلا شرط الضبط, فالضبط فيه أخف من الحديث الصحيح.وقد أطلقه ابن الصلاح على قسمين هما الحديث الحسن لذاته والحديث الحسن لغيره، وإليك التفصيل.* الحديث الحسن لذاتههو الذي اشتهر راويه بالصدق والأمانة, ودرجة هذا الراوي دون درجة رجال الصحيح في الحفظ والاتقان من غير شذوذ ولا علة, وبحيث لا يعَد ما انفرد به منكراً، وإذا روِي هذا الحديث من وجه آخر, ترقى إلى درجة الصحيح لغيره لاجتماع قوتين ترفعانه الأولى شهرته بالصدق والثانية بمتابعة غيره له, وسمي لذاته إشارة إلى أن حسنه جاء من إسناده لا من غيره.مثاله ما جاء عند الترمذي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):(لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ)، حيث أن محمداً بن عمرو سيء الحفظ, حيث رواه كذلك زيد بن خالد عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، ورواه الربيع من طريق أبي هريرةَ عَنِ النَّبِي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ:(لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ وَكُلِّ وُضُوءٍ)، وعليه ارتقى حديث الترمذي عن طريق أبي هريرة إلى الحديث الصحيح لغيره.ومن مظان الحديث الحسن أغلب أحاديث الترمذي, وتسمية الحديث عنده بأنه حسن صحيح يعني روايته من إسنادين أحدهما حسن والثاني صحيح.* الحديث الحسن لغيرهوهو الحديث الضعيف إذا تعددت طرقه, إذا لم يكن سبب ضعفه فِسْقَ الراوي أو كَذِبَهٌ أو وهائه.وهذا النوع من الحسن لا يخلُو فيه رجال إسناده عن مستور غير مغفل في الرواية, لم تتحقق أهليته ولا متهم بالكذب ولا بفسق آخر, وقد رُوِي متن الحديث مثله أو نحوه من وجه آخر, اعتضد به, وهذا الاعتضاد يختص به الحسن لغيره, مع العلم ليس كل حديث ضعيف ينجبر بغيره ويترقى إلى الحسن لغيره, وسمي الحسن لغيره إشارة إلى أن حسنه جاء من غير إسناده.مثاله: ما جاء عن هُشيم، عن يزيد، عن عبدالرحمن عن البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):(حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْتَسِلُوا يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَلْيَمَسَّ أَحَدُهُمْ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَالمَاءُ لَهُ طِيبٌ)، والضعف في هشيم لتدليسه، لكن لما تابعه أبو يحيى التيمي بإسناد آخر رفعه إلى رتبة الحديث الحسن لغيره.هذا ولا بد من أن يكون الحديث الداعم أقوى من الحديث الضعيف المدعوم أو مثله في الرتبة، كما إنه ينبغي أن يكون الحديث المدعوم قليل الضعف كخفة ضبطه، وانقطاع في سنده، وجهالة في أحد رجاله.* حجية الحديث الحسنوالحديث الحسن بقسميه كالصحيح في الاحتجاج به ـ وإن كان دونه في القوة ـ لذلك احتج به الفقهاء، وعملوا به، وعلى الاحتجاج به معظم المحدثين والأصوليين، وهناك من لم يقبل الاحتجاج بالحسن لغيره لضعف رواياته، ولا يقوى الحديث الحسن على مقاومة الحديث الصحيح لكونه دونه في الرتبة الاحتجاجية.ويقدم الحديث الحسن لذاته في الحجية على الحديث الحسن لغيره عند تعارضهما. علي بن سالم الرواحي