دائماً ما يؤثر في نفوسنا فقد عزيزٍ لنا، ويظهر أمامنا شريط الذكريات التي عشناها معه، وهذا الفقد يؤلم الإنسان ويؤلم قلبه، نلاحظ كيف تأثر سيدنا يعقوب ـ عليه السلام ـ عندما فقد ابنه الغالي على علمه بوعد الله الذي ظهر في رؤية يوسف ـ عليه السلام ـ وهو صغير السن (وَجَاۤءُو عَلَىٰ قَمِیصِهِۦ بِدَم كَذِب قَالَ بَل سَوَّلَت لَكُم أَنفُسُكُم أَم را فَصَبر جَمِیل وَٱللَّهُ ٱلمُستَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ) (يوسف ـ 18)، وعندما فقد ابنه الآخر وذلك بسبب سجنه:(قَالَ بَل سَوَّلَت لَكُم أَنفُسُكُم أَمرا فَصَبر جَمِیلٌ عَسَى ٱللَّهُ أَن یَأتِیَنِی بِهِم جَمِیعًا إِنَّهُۥ هُوَ ٱلعَلِیمُ ٱلحَكِیمُ، وَتَوَلَّىٰ عَنهُم وَقَالَ یَـٰۤأَسَفَىٰ عَلَىٰ یُوسُفَ وَٱبیَضَّت عَینَاهُ مِنَ ٱلحُزنِ فَهُوَ كَظِیم) (يوسف 83 ـ 84) نلاحظ التركيز على الصبر في كلا المشهدين، والله سبحانه وتعالى يقول:(وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَیء مِّنَ ٱلخَوفِ وَٱلجُوعِ وَنَقص مِّنَ ٱلأَموَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَراتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِینَ)، (ٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتهُم مُّصِیبَة قَالُوۤا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّاۤ إِلَیهِ رَاجِعُونَ)، (أُولَـٰۤىِٕكَ عَلَیهِم صَلَواَت مِّن رَّبِّهِم وَرَحمَة وَأُولَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلمُهتَدُونَ) (البقرة 155 ـ 157)، نجد في بداية الآيات ابتلاء من قبل الله تعالى في الأنفس والمال والنتيجة في النهاية لمن صبر وآمن رحمة ومغفرة من الله تعالى، وسيد البشر النبي المصطفى محمد (صلى الله عليه وسلم) خير الخلق ماذا صنع عند وفاة ابنه وفلذة كبده إبراهيم قال:(إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ ).
وفقد العالم ثلمة لا تسد كما قيل، والأمر كذلك إن كان الفقيد قائد أمة وشعب، فقد تأثر جميع المسلمين بفقد النبي (صلى الله عليه وسلم) وبكى على فراقه العدو والصديق والقريب والبعيد والصغير والكبير، كيف لا وهو أفضل الخلق على الإطلاق وقد ورد ما قَالَه أَبُو بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِعُمَرَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا، كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَزُورُهَا، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ، فَقَالَا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: مَا أَبْكِي أَنْ لَا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَاللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ، فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ . فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ مَعَهَا.
وقد اشتهر عند العرب أدب الرثاء وكتبت آلاف القصائد في هذا الفن، وقد رثي الإمام السالمي رحمه الله تعالى بقصيدة مطلعها:
نكسي الأعلامَ يا خير المللْ
رزيء الاسلام بالخطبِ الجللْ
وانتثر يا دمع أجفان التقى قدْ
أصيب العلم واغتيل العملْ
وانفطر يا قلب واستقص الأسى
إنّ حبل الدين بالأمس انبتلْ
نسأل الله أن يتغمد كل فقيد لنا بواسع رحماته ويدخله فسيح جناته إنه ولي ذلك والقادر عليه.

قيس بن خليفة الخزيري