يقول الحق سبحانه وتعالى:(وبشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون).
فيا أيها المسلم إذا كان الله وعدك بحسن الثواب عند مواجهة المصائب بالصبر فكيف تشكو لعبد ضعيف ذليل لا يستطيع رفع الضر عن نفسه وتترك ربك الذي يهب لك الخير والسعادة والصبر دليل على إيمان العبد، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للأنصار حين دخل عليهم:(أمؤمنون أنتم؟! فسكتوا، فقال عمر: نعم يا رسول الله، قال: وما علامة إيمانكم؟ قالوا: نشكر على الرخاء ونصبر على البلاء ونرضى بالقضاء، فقال ـ صلى الله عليه وسلم: مؤمنون ورب الكعبة)، والمصيبة هى كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه في نفسه أو ماله أو أهله أو في ولده ، وقالوا (إنّا لله وإنّا إليه راجعون) إقرار من المؤمنين بأن مرجعهم ومصيرهم إلى الله، وهذه الكلمات لم تُعطَ لنبيٍّ قط من الأنبياء بدليل أنه لو عرفها يعقوب لما قال: يا أسفي على يوسف فما جزاؤهم من يقول:(إنّا لله وإنّا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) وصلاة الله على عبده غفوة ورحمة وبركة وتشريفه له في الدنيا والآخرة وهذا فضل ثواب الكلمة من القرآن فما جزاء من يقول هذه الكلمات من السنة، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(ما من مسلمٍ يصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله عزوجل:إنا لله وإنا إليه راجعون، الله أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها)، وجزاء الصابرين الجنة، ويُوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب، وذات يوم دخل أحد العلماء على أحمد بن طولون فقال له ابن طولون: اتق الله ولا تظلم الناس، فأخذت ابن طولون العزّة بالإثم كيف يأمره بتقوى الله فنادى على جلاديه وأصدر لهم أوامره أن جوعوا أسداً لهذا الرجل جوعوا أسد ثلاثة أيام وبعد ذلك ضعوه مع هذا الرجل في مكان واحد وأغلقوا عليهما ليأكل الأسد عظمه ولحمه فماذا حدث؟، مضت ثلاثة أيام، قال ابن طولون لحارس الأسد: ماذا فعل الأسد بهذا الرجل؟ فقال له الجلاد: يا سيدي لقد رأيت عجباً الرجل ساجد والأسد بجانبه يحرسه، الرجل يقول: سبحان ربي الأعلى، هل هناك أعلى من الله ليس هناك أحد أعلى من الله، ولذلك عندما توضع الجثة ليُصلى عليها فيُكبّر عليها أربع تكبيرات نقول كل مرة الله أكبر ليدل على أنه لا كبير إلا الله ، فالكل سينام هذه النومة وإن طال الأجل، فقال ابن طولون لحارس الأسد بعدما أخبره أن الرجل يصلي والأسد يحرسه: إئتني به فجيء به ودخل عليه، وقال له: لما خلا الأسد بك ما كان شعورك؟ فقال له: كنت أردد قوله تعالى:(واصبر لحُكمِ ربك فإنك بأعيننا)، فقال له: فماذا كنت تخشى؟ قال له: كنت أخشى شيئاً واحداً أن ينجسني الأسد بلعابه فلا أستطيع الصلاة، هذا هو الصبر على البلاء، هذا هو الصبر على المصائب، ومن يصبر يكون الله معه ومن كان معه الله لا يضره إنس ولا جن، يروى عن الأخنف بن قيس أنه قال: شكوت إلى عمي وجعاً في بطني فنهرني ثم قال: يا ابن أخي إذا نزل بك شيء فلا تشكه إلى أحد فإنما الناس رجلان صديق تسوؤه وعدو تسره والذي بك لا تشكه إلى مخلوق مثلك لا يقدر على دفع مثله عن نفسه ولكن إشكُ لمن ابتلاك به فهو قادر على أن يفرج عليك، يا ابن أخي إحدى عيني هاتين ما أبصر فيها سهلاً ولا جبلاً من أربعين سنة وما اطلعت على ذلك امرأتي ولا أحد من أهلي، والصابر والشاكر لهما الجنة، وأعلم ـ أخي في الله ـ أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً وما أعطى أحد خير من الصبر فهو الأمل في الله وهو بموضع الرأس من الجسد وهو كنز من كنوز الجنة، وأعلم أنه ما يصيب الإنسان حتى الشوكة يُشاك بها المرء في قدمه إلا كُفِّر إن بها ذنباً وحُطّ بها خطيئة، واعلم أن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل، واعلم أن الله إذا أراد خيراً بعبده عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد به شراً أجل عنه العقوبة حتى يوافي بها يوم القيامة، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحبّ قوماً ابتلاهم فمن رضى فله الرضا ومن سخط فله السخط)، فقد ورد عن الحسن البصري ـ رحمة الله عليه ـ أن رجلاً من الصحابة ـ رضي الله عنه ـ رأى امرأة كان يعرفها في الجاهلية فكلمها ثم تركها فجعل الرجل يلتفت إليها حتى وهو يمشي فصدمه حائط فأثر في وجهه فأتى النبي (صلى الله عليه وسلم) فأخبره، فقال (صلى الله عليه وسلم):(إذا أراد بعبدٍ خيراً عجّل له عقوبة ذنبه في الدنيا)، ومن حكم لقمان لابنه: إن الذهب يجرب بالنار والعبد الصالح يجرب بالبلاء، فإذا أحب الله قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط، وعن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(إذا ابتلى الله العبد المؤمن بالسقم قال لصاحب الشمال أحد الملكين الموكلين يا ابن آدم ارفع القلم عنه وقال لصاحب اليمين اكتب لعبدي أحسن ما كان يعمل)، وفي الحديث:(إن الله يرسل الملائكة لتصب البلاء على العبد ثم يسألهم هل صببتم عليه البلاء؟ فيقولون: نعم يا رب، فيقول لهم أعيدوا عليه البلاء وصبوه صباً فإني أحب أن أسمعه يقول يا رب)، وقد سمع الله سفيان الثوري ـ رضي الله عنه ـ رجلاً في مجلسه يقول: اللهم ارضَ عني، فقال له سفيان: لو رضيت عن الله لرضي الله عنك، قال الرجل: وكيف أرضى عن الله يا سيدي، قال: يوم تسر بالنقمة سرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله .. هذا والله أعلم.

حامد مرسي
إمام مسجد بني تميم بعبري