يتساءل العديد من القراء ممن شاهدوا الإعلان عن دورة البارادايم Paradigm عن مدلول المصطلح وأهميته؟ وما هي علاقته بتطوير الذات؟ وقد أعادتني تساؤلاتهم إلى قصة طريفة تروى عن لص قبض عليه شرطي وهو متلبس بكسر قفل أحد المحلات التجارية؛ لنهب المال والبضاعة، فاضطرب اللص وارتبك وارتعد عندما سمع صوت الشرطي يصرخ فيه: قف يا حرامي! فانزعج اللص وصرخ محتجا: ألم تجد كلمة ألطف من كلمة لص؟! فضحك الشرطي سخرية وهو يقول: ماذا تريدني أن أناديك وقد ضبطتك متلبسا بالسرقة؟ فرد عليه اللص قائلا: يمكنك أن تقول خبير أقفال مثلا!
مفهومان مختلفان لفعل واحد، الشرطي يعتبر الأمر جريمة واللص ينظر إلى سلوك الشرطي تعد صارخ عليه.
فلكل واحد منهما (بارادايمه) الخاص، وهو عبارة عن برامج وثوابت مستقرة في العقل الباطن ويتم تنفيذها واتباعها تلقائياً. فإذا كان الشرطي يعتبر ذلك سرقة فإن اللص يرى الأمر بصورة مختلفة؛ ما يدل على أن لكل وحد منهما حدودا وإطارا داخليا يرى نفسه من خلاله ويتحرك في فضائه، بصرف النظر على البعد المتعارف عليه.
أقول دائما في الدورات التي أقيمها للمشاركين: حاول أن ترى نفسك في المستقبل، أين ترى نفسك، وذلك لمعرفة الحدود الداخلية وهل هي مقيدة أم مشجعة. كثير من الناس يحبسون أنفسهم في حدود الخوف الداخلية فلا يتحركون لتحقيق أهدافهم لأن مساحات الممكن تضيق في عقولهم تبعا ( للبارادايم) الذي يحكم تفكيرهم.
إن التغيير متاح للجميع، والنجاح حق للجميع، ولكل إنسان طاقات خلاقة غير محدودة بزمن أو مكان، ولكن مفتاح كل ذلك في (البارادايم) الذي يحكم تفكير الشخص ويضع له حدود الممكن والمستحيل.
ذات يوم حضر طالب دراسات عليا؛ لمقابلة البروفيسور الذي يشرف على رسالته، فابتدره المشرف قائلا: أنت حظك سيء جدا، لأنني استقلت من الجامعة ولا أستطيع أن أتابع الإشراف عليك. فرد عليه الطالب قائلا: شكرا لك يا أستاذي لقد قمت معي بالواجب وانتهى دورك معي على خير ووفاق، ولكنني محظوظ بما فيه الكفاية؛ لكي أبدأ العمل مع مشرف آخر. كان تأكيد الطالب بمثابة (بارادايم) جديد يرسم الحدود التي يقتنع بها عقل الطالب وتشكل إدراكا إيجابيا. وكانت المفاجأة سارة أن جاء الطالب بعد أن انتهى من كتابة بحثه وتمت إجازته للمناقشة؛ ودعا أستاذه العجوز لحضور مناقشة أطروحته ثم قدم له هدية ممتنا ومعترفا بفضله؛ بدون أن تتوقف حركته عند الحدود الوهمية التي حاول أستاذه بدون قصد أن يلفها عليه.
منذ هذه اللحظة اكتشف (براديمك) واسأل نفسك الأسئلة التالية: هل تؤمن بقدرتك على تحقيق ما تريد؟ عندما ترحل بذهنك إلى المستقبل فأين ترى نفسك في المجال الشخصي والصحي والأسري والمالي والمهني والروحي والإنساني؟ يا ترى هل يدعمك تفكيرك إلى مدى أبعد، هل تشعر بأنك جدير بما تسعى من أجل تحقيقه، وأن يقينك بقدرتك على تحقيق ذلك لا يقبل الشك؟! أين تنتهي حدود آمالك وأحلامك وأمنياتك؟ هل تسعى الى تغيير معتقداتك المعيقة واستبدالها بأخرى إيجابية وداعمة؟

د. أحمد بن علي المعشني
رئيس مركز النجاح للتنمية البشرية