قسّم الفقهاء العدة إلى ثلاثة أنواع:(العدة بالحيض، والعدة بالأشهر، والعدة بوضع الحمل)، أمّا قانون الأحوال الشخصية فقد قسّم العدة إلى نوعين:(عدة المتوفي عنها زوجها، وعدة غير المتوفي عنها زوجها)، وتمشياً مع القانون نُبين أحكام كلّ عدة أخذاً بهذا التقسيم:
النوع الأوّل: عدة المتوفي عنها زوجها، حيث تختلف عدة المرأة المتوفي عنها زوجها باختلاف ما إذا كانت المرأة حاملاً أثناء الوفاة أو غير حامل، أو كان العقد فاسداً، ولكل نوع من هذه الأنواع أحكام مختلفة من جهة مدة العدة نذكرها وفقا الآتي:
1 ــ عدة المتوفى عنها زوجها غير الحامل، إذا توفى الزوج عن زوجته ولم تكن حاملاً أثناء الوفاة فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام من تاريخ الوفاة باتفاق الفقهاء، سواء كانت صغيرة أم كبيرة، مدخول بها أم غير مدخول بها، سواء كانت ممن تحيض أم من غير ذوات الحيض بدليل قول الله تعالى:(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا).
والحكمة من جعل عدة المميتة أربعة أشهر وعشرة أيام، وأن من حكم العدة استبراء الرحم، وقد عرّف أنّ الجنين يتحرك بعد أربعة أشهر، وزيد عليها عشرة أيام للاحتياط لأنّ من الأجنة ما يكون ضعيفاً.
ومن جانب آخر: لإظهار الحزن بفوت نعمة النكاح، إذ النكاح كان نعمة عظيمة في حقها، إذ الزوج كان سبب صيانتها وعفتها واستغنائها بالنفقة والسُكنى.
والمعتبر في العدة الأشهر القمرية، فإذا ابتدأت العدة من منتصف الشهر اعتبرت العدة بالأيام فيُعدّ لكلّ شهر ثلاثون يوماً.
واختلف الفقهاء في عدة المميتة هل تسقط بمرور الأيام من غير قصد أم لا بُد من القصد؟.
ومنشأ الخلاف اختلافهم في العدة هل هي حق لله أو للزوج، فمن قال: أنّ العدة حق لله يُشترط فيها القصد لأنـّها عبادة تعبّدها الله بها، ولا تأتي بها إلاّ بالنيّة، لقوله تعالى:(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)، ومن قال: أنّها حق للزوج فلا يُشترط فيها القصد لأنّ الغرض منه الحبس المعلوم في المدة المعلومة حفظاً لماء الزوج واستكشاف الرحم، وجمع بعض الفقهاء بين القولين فقال: هي حق الله من جهة، وللزوج من جهة فلا بُدّ من النيّة فيها.
ومن يشترط النيّة في العِدَّة، فلا يوجب التلفظ، بل يجزيها القصد بالقلب لأنّ النيّة ليست نطقاً باللسان، وإنــّما هي عقد العزم بالقلب، وقصد التقرب إلى الله بالعمل، وذلك هو عين الإخلاص وهو سر بين العبد وربه، لا يطّلع عليه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده ــ كما ورد في الحديث القدسي ــ والنّبي (صلى الله عليه وسلم) ما كان هو ولا أصحابه يأتون بألفاظ النّيات في الصلاة ولا في الصيام ولا في غيرهما، بل كانوا يكتفون بما وقر في نفوسهم من قصد التقرب إلى الله سبحانه بأعمالهم.
.. وللحديث بقية.

د/محمد بن عبدالله الهاشمي
قاضي المحكمة العليا
[email protected]