(الوطن) بالتعاون مع الادعاء العام

بتاريخ 11 يناير 2018م، طالعتنا وسائل الإعلام المختلفة، بمرسومٍ سُلطانيٍّ سَامٍ، رقم:(7 /2018)، بإصدارِ قانون الجزاء؛ وقضى المرسوم في مادته الثانية بإلغاء قانون الجزاء العُمَاني (القديم) رقم:(7 /1974)، وإلغاء كلّ ما يخالف أحكامه، أو يتعارض معه، هذا وبالنظر إلى أن القانون الماثل أكَّدَ صراحةً، في مادته الخامسة على مبدأ عدم الاعتداد بعذر الجهل بالقانون، كما هو حال القوانين قاطبةً، فإن (المجتمع والقانون)، وتنفيذًا لرسالتها التوعويَّة، أخذت على عاتقِها مسئولية تبصيرِ العامة بأهم أحكام هذا القانون، لاسيَّما تلك التي وسَّعَ فيها المشَرِّع من نطاقِ التجريم، أو لم تكُن أصلاً مجرَّمة.
نورد تاليًا الجزء الثالث عشر من أهم تلك الومضات ..
ـ استعرضنا في الحلقتين السَّابقتين جرائم الشيكات، بالشرحِ والتفصيل، أينما لزم الحال ودعّمنا البيان بموقفِ القضاء العُمَاني بالنسبةِ لبعضِ الأفعال، وفي الحلقةِ الماثلة، نُواصِل استعراض الجرائم الواقعة على الأموال، وتحديدًا ما يتعلَّق منها بجريمة (إساءة الأمانة)، التي تناولها المشرِّع في المواد (360 – 363) من قانون الجزاء.
ـ ففي المادة (360)، نصَّ المشرِّع على الآتي: يعاقب بالسَّجن مدة لا تقل عن شهر، ولا تزيد على (3) سنوات، وبغرامة لا تقل عن (300) ريال عُماني، ولا تزيد على (1000) ريال عُماني أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من سُلِّم إليه نقدًا أو أيَّ منقولٍ آخر، على وجه الإعارةِ أو الوديعةِ أو الوكالةِ أو الإجارةِ أو الرهن؛ أو ائتُمِنَ عليه بأيِّ وجهٍ كان، فأقدم على كتمِه أو إنكارِه أو اختلاسِه أو تبديدِه أو اتلافِه.
ـ جريمة إساءة الأمانة، تتَّفق مع جريمتي السَّرقة والاحتيال، في أنها تشكّل اعتداءً على مالٍ منقول مملوك للغير، وأن ركنها المعنوي، المتمثِّل في القصد الجنائي، يتطلَّب قصدًا جنائيًا خاصًا، هو نية التملُّك إلى جانب القصد الجنائي العام، المتمثل في العلم والإرادة أيّ أن يعلم الجاني أنه يعتدي على مال الغير، وأن تكون لديه إرادة صحيحة خالية من العيوب.
ـ وسَّع المشرع من نطاق التجريم في القانون الماثل وذلك بالنظر إلى أنه، وبعد أن أوضح، في مادة التجريم، أن محل الجريمة، المتمثِّل في المال المنقول المملوك للغير، حسب الإشارة المتقدِّمة، ينبغي أن يكون قد سُلِّم إلى الجاني، تنفيذًا لعقدٍ من عُقود الأمانة؛ أوضح بأن هذه العقود لا تقتصر على عقود (الإعارةِ أو الوديعةِ أو الوكالةِ أو الإجارةِ أو الرَّهن)، كما فعل في القانون الملغي وإنما أردَفَ لها التالي:(أو ائتمن عليه بأيِّ وجهٍ كان).
ـ ومن الأمثلة التي أوردها الفقه الجزائي للعقود غير المسمَّاة هذه، والتي تستقيم معها الجريمة، عقد المقاولة والخدمات المجانية، فتسليم مواد إلى شخصٍ ليصنع منها شيئًا، كتسليم أخشاب إلى نجّار لصناعة أثاث، أو تسليم أجهزة كهربائية إلى كهربائي لتصليحها، أو تسليم قطعة قماش إلى إلى خياط ليصنع منها دشداشة، أو تسليم مواد بناء إلى مقاول، ليستعملها في البناء. ففي هذه الأحوال، تعد يد المستلم على المنقولات المسلمة إليه يد أمانة فإن استولى عليها، أو قام بتبديدها، يعد مُسيئًا للأمانة، ومع ذلك لا يُعد المقاول مرتكبًا للجريمة حال امتناعه عن تسليم ما طلب منه تنفيذه، حال عدم استلام أجرته التي في ذمَّة صاحب العمل. والحال عينه بالنسبة لعقد الخدمات المجانية، كمن يُسلِّم جهازًا كهربائيًا إلى صديقٍ له لإصلاحه، بدون أجرة، فإذا تصرف في الجهاز تصرُّف المالك، يمكن ملاحقته بتهمة إساءة الأمانة، انظر: د.عادل العاني، شرح قانون الجزاء.
ـ ويشترط لقيام جريمة إساءة الأمانة أن يكون المال قد سُلِّم إلى المتهم تسليمًا ناقلاً للحيازة الناقصة إليه، لا الحيازة الكاملة، مثال على ذلك: الخياط الذي يستلم جزءًا من الأجرة لأجل تفصيل ملابس لصاحب العمل، لا يرتكب جريمة إساءة أمانة، إن هو استولى على المال، دون أن ينجز العمل المطلوب منه ذلك، لأن استلامه للأجرة كان على سبيل الحيازة التامة، وقد أرست المحكمة العليا بهذا المضمون المبدأ رقم:(37)، س. ق.(8)، في الطعن رقم:(228 /2007)، بجلسة يوم 2 /12 /2007م.
ـ هذا، ويلاحظ بأن الأفعال التي يقوم بها الركن المادي لجريمة إساءة الأمانة، أوردها المشرِّع على سبيل الحصل، وهي:(الكتم، والإنكار، والاختلاس، والتبديد، والإتلاف)، والكتم يعني إنكار المتهم وجود الشيء في حيازته، بقصد التخلُّص من الالتزام بإرجاع المال إلى صاحبه. ويأخذ حكم الكتمان الادِّعاء بأن الشيء تعرَّض للهلاك أو للسَّرقة، أما الاختلاس، فيتحقق بقيام الجاني بما من شأنِه تغيير حيازته للمال من حيازة مُؤقتة عارضة، إلى حيازةٍ كاملة، كحالة الشخص الذي يستعير كتابًا من آخر، فيمتنع عن رده ويستبين بعد التقصي والتحقيق أنه كتب عليه اسمه، كاشفًا بذلك عن انصراف نيَّته إلى تملك الكتاب.
وقد أرست المحكمة العليا المبدأ رقم (80)، س. ق. (3)، في الطعنين رقمي (186، 187/2003)، الآتي: تتحقق جريمة إساءة الأمانة بكلّ فعلٍ يدلّ على أن الأمين اعتبر المال الذي ائتمن عليه مملوكًا له، ويتصرَّف فيه تصرُّف المالك، ولا يعتبر التأخير في ردّ الشي أو الامتناع عن ردَّه إلى حين، رُكنًا من أركان جريمة إساءة الأمانة، ما لم يَكُن مَقرونًا بانصراف نية الجاني إلى إضافة المال الذي تسلّمه إلى ملكه، واختلاسه لنفسه، إضرارًا بصاحبه.
ـ كما أن المادة (361) من القانون الماثل، جرَّمت فعل:(كل من عَثر على مال ضائع، ورفض ردَّه إلى صاحبه)، وحدَّد له عقوبة تصل إلى سنة سجن، وبغرامة تصل إلى (300) ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ـ ولقد جرَّم المشرّع في المادة (362) الحالات التالية، وأوجد لها عقوبة تصل إلى السَّجن (3) سنوات، وبغرامة تصل إلى (500) ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين:
أ‌ ـ استولى بنية التملُّك على مالٍ وقع في حيازته خطأً، مع علمه بذلك.
ب‌ ـ اختلس منقولاً أو عقارًا محجوزًا عليه قضائيًا أو إداريًا، إذا كان حارسًا عليه، أو قام بتبديده أو إتلافه أو كتمه أو تصرَّف فيه، أو عمل على عرقلة التنفيذ، أو تصرَّف في عقارٍ محجوز عليه قضائيًا أو إداريًا، أو عمل على عرقلة التنفيذ، إذا كان حارسًا عليه.
ت‌ ـ اؤتمن على ورقة أو مستند، سلّم لأيّ جهةٍ قضائية أو إدارية، فتعمَّد إخفاءه أو أخذه بغير وجه حق.
ـ أوضح المشرع أخيرًا أن الملاحقة في جرائم إساءةِ الأمانة تكون بناءً على شكوى المجني عليه، وتنقضي الدَّعوى أو يوقف تنفيذ الحكم بالتنازل. وعليه، فإن الملاحقة، وفق مقتضيات المادة (5) من قانون الإجراءات الجزائية، لا تتم إلا بناءً على شكوى من المجني عليه شخصيًا، أو من وكيله الخاص. بمعنى أنه لا عبرة بالشكوى المقدمة من مدير الشركة المجني عليها، أو من مستشاره القانوني؛ وإنما من صاحب الشركة شخصيًا، أو ممَّن لديه وكالة خاصة من المالك، يحدَّد له فيها صلاحيَّته لتمثيله في تقديم الشكوى، في خصوصية القضية الماثلة؛ ولا تُجدي الإجازة اللَّاحقة. وأرست المحكمة العليا بهذا المعنى المبدأ رقم (37)، س.ق.(8)، في الطعن رقم:(228 /2007).

ـ ترقبوا في الأسبوع القادم المزيد من الومضات في هذا القانون.