[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
هنالك نظرية تقول بأن أجمل الكلمات هي التي لم تكتب بعد، لكن هنالك كلمات كتبت وفعلت فعلها، حتى قيل إن بعض الحروب بدأت بالكلمة، ألم في البدء كانت الكلمة؟
عندما كنا نمسك الكتب ونشتم رائحة أوراقها وحبرها، كان يخالجنا شعور فوري بأننا لن نقرأ فقط بل سنأكل الصفحات كما هي المبالغة في حب القراءة. كنا نجد غايتنا من هذا الكتاب أو ذاك، وإذ بتراكم الحروف والكلمات نشأت ثقافة .. المسألة كلها في التراكم، اللعبة كلها تراكم.
عباس محمود العقاد حبس حياته من أجل الكلمة، ترهبن على قدميها ولم يتزوج، رغم أنه أشيع بعد وفاة الممثلة مديحة يسري أنه أحبها، بل إن روايته سارة هي قصته معها.
نبدأ صغارا بالكمات، نتقدم في تهجيتها حرفا حرفا، ننطق الأسهل وتمتزج الكلمات ببعضها عندما تصبح صعبة. ومع الوقت نعيش الكلمة لأنها تعلمنا كل ما تقع علينا فتتحول إلى ذاكرة، وبالذاكرة وحدها نعيش ونستمر..
بالكلمات يهدد نتنياهو وليس بحركة الرأس وحدها .. يظن هذا الصهيوني أن كلماته تخيف، فإذا بها عبارة عن مزاح سمج .. فليس من خائف، وليس من مذعور، وليس من يحسب حسابا لكلماته التي كيفما قيلت فهي تمضي مع الريح ولا تترك أثرا في النفس.
وتكتب الصحف في اليوم الثاني إنه يهدد لبنان بحرب، يبحث اللبنانيون بين كلماته فلا يجدون لها أثرا في حياتهم اليومية. انتهى عصر كلمات إسرائيل وفعلها، صار من الماضي العتيق ما كانته ذات يوم وما صارته اليوم .. رسائل نتنياهو كما قرأنا تحدثت عن انكشاف إسرائيل التي لم تعد مهابة .. ثمة حروب تكشف الأعداء، وتكشفنا أيضا .. تقلل من قدرة العدو، وتضعنا في الأمل الذي سوف يتجدد إن نحن حافظنا على وتيرة الدفاع عن وجودنا بالطريقة ذاتها، لا بل بدور أزيد من ذي قبل.
المهم أن تكون كلماتنا على مستوى قدراتنا، أي فرق بين الخطاب والممارسة لمصلحة الأول على الثاني تأخذ إلى الخسارة .. لا بد من تساوي الكلمات بالفعل بل زيادة مهمة لمصلحة الثاني. في الحرب الناعمة اليوم، أهمية قصوى للكلمات، التلاعب بنفوس الشعوب من خلالها رصيد كبير للدول التي تجيد استعمالها. لكن الأمر بات مكشوفا اليوم.
بالكلمات أحيانا يمكن أن تهزم العدو قبل أن تناله رصاصاتك .. خذوا مثلا كيف تنال شخصية الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله احترام المجتمع الإسرائيلي الذي يتابع كلماته وخطابه ولهجته، ويراها أصدق من كل ما يقوله أهل السياسة الإسرائيلية .. والسبب أن حرب 2006 كان لها تأثير على المجتمع الإسرائيلي الذي مهما خبأ إعلامه من معلومات الحقيقة، فإن الشعب يعرف أن كيانه الإسرائيلي تم تحطيم غطرسته، وتكسير هيبته عبر ضربات موجعة لسلاحه الفتاك في البر، وصمود ثلة من المقاتلين بوجه ترسانته المخيفة برأي تاريخ سقطت هيبته.
أقرأ يوميا الكثير من الكلمات، وما أغناها حين تلامس المقدسات التي في داخل المرء لتزيد من سطوتها عليه. فمن تسلح بكلمات نابعة من فعل قدم دليله، لن يتأثر بعدها .. بمثل هذا ضحكت الصحافة الإسرائيلية على نتنياهو الذي كان يقول كلمات فيها الكثير من المسخرة عن صواريخ لحزب الله حول مطار بيروت تبين أنها غير موجودة.
كان شيخ إمام يقول الكلمة اللي ما تكونش رصاصة وخاينة. وهو ما يهابه الأعداء.