[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
جلسوا يتحدثون لغة الضاد كأنهم ليسوا من أقطار عربية متعددة بل من قطر واحد. إنه قمة التفاهم على أننا واحد، بل نحن من نشيد الروح رسمتنا الأقدار ورمتنا في جغرافيا التهب فيها التاريخ، لكنه ظل أمينا على لغة الضاد، وهل ما يشرح الصدر غير الحديث فيها؟
في مدينة بعقلين اللبنانية المتربعة على الأخضر فكل الألوان، المزهوة بتاريخها وبأناسها ومثقفيها الذين ارتبطوا مع الحضارة ورسموا في مكتبتهم الوطنية صورة العملقة لمدينتهم، كان اللقاء العربي شعريا كما نظمه منتدى الشعر، ومن أمة الضاد التي فرختنا جميعا وكتبت مرجعيتنا .. من سلطنة عمان التي أدركت دائما دورها العربي والمميز، كان الشعراء سعيد الصقلاوي وعبد الرزاق الربيعي وإبراهيم السالمي، ومن الأردن أيضا، ومن لبنان .. كلهم جاؤوا من أجل كلمة يجب أن تقال، إن السياسة قد لا تجمع، لكن اللغة كلام الله على أرض حررتها الكلمات، إلى أن رسمتها السيوف، ومنها خرجت العقول والحضارة التي منها كان اشتقاق العالم نحو تعلم أبجديتها.
تتدحرج الكلمات على شفاهنا كأنها الموسيقى في لحظة حنين عازف .. لا شك أن من استمع إلى تلك الأمسية الشعرية في قلب بعقلين، قد نسي هويات الشعراء ومن أين جاؤوا..؟ هذا النوع من الأمسيات يعلمنا أن ننسى تلك المساحات التي جئنا منها، لندون خلال ساعات أن هنالك ما هو أكبر منها، ومنه السر الذي يجمع عربا يحلو لهم أينما التقوا أن تكون الضاد سيدة حضورهم، وأن يعشقوا حروفها دون أن يقولوا لماذا يكون العشقق تدبيرا دائما بين عرب كلما التقوا؟
"هذه الدنيا كتاب" تقول أم كلثوم، وهل غير اللغة ما يملأ القلب قبل الصفحات..؟ في منزلي حين كان اللقاء مع أصدقائي شعراء السلطنة المبدعين الذين قدموا تجربتهم ممهورة باللغة الأم وتمايزوا بإبداعهم، كان إيماني بأن العالم العربي نحمله معنا أينما نذهب، لا بل نحمل جغرافيا أقطارنا لنفكك حروفها كي تنصهر في وحدة صنعها الله قبل أن تكتبها أيدينا أو يضع لها الأوائل شكل الحروف التي اعتدنا على رسمها ولفظها وتهجيتها.
كنا صغارا وهتفنا "بلاد العرب أوطاني"، ربما لم ننتبه في تلك الأوقات بعقولنا البسيطة، أن الجملة خطيرة وتحتاج لمدبر همام .. جاءنا الرجل الزعيم الذي كرسها وحدة بين مصر وسوريا، وحاول مع العراق، ثلاثية تبدأ ثم تصبح أعم، ثم تكون الجمهورية العربية المتحدة الواسعة الأرجاء المضاءة بأبنائها، بعبقرياتهم التي كان أكبر ميلاد لها في العراق حين أنشأ صدام جيشا من العباقرة، فلو أننا كنا على قلب واحد لما عصفت بنا رياح الغرب وأدخلتنا في هذا الليل الطويل الذي لن ينجلي.
فرح إلى حد البكاء كما يقول أحد الشعراء وأنا ألتقي بشعراء من سلطنة عمان وبقية أقطار العرب، ومن خلالهم أشتم ياسمين كل قطر، وأتعلم لهفة ضادي إلى ضادهم، فأنا مسكون بأمتي، ويوم سكنت مسقط التي كنت أظن أنها آخر العرب في الجغرافيا، وجدتها أقرب من حبل وريدي، بل وجدتني عمانيا في لبنان آخر، وفي السلطنة التي تعيش ذكرى النهضة المباركة في هذه الأيام، رسم قائدها في بيانه الأول منذ العام 1970 ما هي صورتها الزاهرة اليوم وما هي إبداعات شعبها في المستقبل.
يقول الشاعر محمود درويش "في اليوم أكبر عاما في هوى وطني"، لعله أنا أيضا صاحب هذا الإحساس كلما مرت علي أيام عربية في أقطار عربية، وكلما التقيت بإخوة عرب سلاحهم الضاد، بل متن إحساسهم وتعبيرهم .. حرف مثير، مدرسة من عمر ما قبل حروف العالم، ربما كان الحرف الأول الذي نطق به آدم في الجنة.