[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” .. رغم مرور السنين مازالت الأوضاع متشابهة في منطقتنا بين العدوان الثلاثي على مصر 1956م والعدوان الثلاثي على سوريا 2018م ومازالت الأطماع الغربية مستمرة في السيطرة على مقدرات الدول العربية والنيل من استقلالها بدعاوى ومبررات غير منطقية عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية الأقليات ولكن هذه المرة قرر الاستعمار التستر خلف الميلشيات والجماعات الإرهابية لتفجير الأوضاع من الداخل..”

بعيدا عن الجدل الدائر حول الموقف من الأحداث في سوريا والانقسام الواضح بين معارض للعدوان الأميركي البريطاني الفرنسي, وبين مؤيد له تبعا لموقفه من النظام السوري والمعارضة المسلحة, على خلفية مزاعم بتعرض عشرات المدنيين في مدينة دوما السورية لاعتداء كيماوي؛ اعتبره الموالون أكاذيب ومؤامرة غربية لإيجاد ذريعة للعدوان على سوريا, بينما سارع كارهو النظام بتحميله مسؤولية ارتكابه دون الانتظار للتحقيقات وهو موقف تكرر كثيرا خلال الصراع العبثي الدائر على الأراضي السورية منذ قرابة سبع سنوات ـ هناك مصطلح عاد للظهور من جديد بعد مرور أكثر من ستين عاما من ظهوره الأول في أعقاب العدوان الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مدينة بورسعيد المصرية عام 1956م وهو مصطلح "العدوان الثلاثي" على سوريا؛ حيث لا فرق بينهما سوى التحاق أميركا بدلا من إسرائيل في المشاركة .
ووجه عبدالحكيم نجل الزعيم الراحل جمال عبدالناصر رسالة يساند فيها الشعب السوري ويذكرهم فيها بالعدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر 1956م , ويندد بالعدوان الثلاثي الحالي على سوريا قائلا : كما كان قدر مصر صد العدوان الثلاثي الغاشم على مدن القناة , ووقوف الشعب السوري مع مصر حينذاك, وخروج صوت الإذاعة المصرية من دمشق بعبارة: "هنا القاهرة من دمشق" , بعد استهداف العدوان مبنى الإذاعة في القاهرة, وكما كانت معركة السويس عام 1956م مقبرة الحقبة الاستعمارية بوجهها التقليدي القبيح, فإن سوريا ستظل قلب العروبة النابض كما أطلق عليها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وستكون مقبرة الاستعمار بوجهه الحديث الذي تصور أنه قادر عن طريق أعوانه أن يفرض إرادته على الشعب السوري, ولكن هيهات والآن نعلنها من مصر "هنا دمشق من القاهرة".
ورغم مرور السنين مازالت الأوضاع متشابهة في منطقتنا بين العدوان الثلاثي على مصر 1956م والعدوان الثلاثي على سوريا 2018م ومازالت الأطماع الغربية مستمرة في السيطرة على مقدرات الدول العربية والنيل من استقلالها بدعاوى ومبررات غير منطقية عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية الأقليات ولكن هذه المرة قرر الاستعمار التستر خلف الميلشيات والجماعات الإرهابية لتفجير الأوضاع من الداخل ومحاولة تقويض الأنظمة والمؤسسات داخل كثير من الدول العربية لمحاولة إسقاطها, وعندما انكشف المخطط وانهزم الإرهاب في العراق وسوريا وسيناء, عاد الاستعمار ليطل برأسه من جديد ويحرك أساطيله وطائراته للعدوان على الأراضي السورية.
وهو ما يذكرنا بالعدوان الثلاثي على مصر عقابا لها بعدما أعلن جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس في يوليو عام 1956م , ردا على رفض البنك الدولي بإيعاز من أميركا والدول الغربية تمويل بناء السد العالي؛ حيث شاركت بريطانيا في العدوان لمحاولة إعادة فرض هيمنتها على قناة السويس وشاركت فرنسا ردا على مساعدة جمال عبدالناصر للثورة الجزائرية وشاركت إسرائيل لرفض عبدالناصر إبرام معاهدة سلام معها لا تتضمن حقوقا للفلسطينيين وسعي مصر لتسليح جيشها بصفقة سلاح تشيكية رأت فيها إسرائيل أنها تمثل خطرا وتهديدا لأمنها.
و بدأ العدوان الثلاثي بالهجوم الإسرائيلي على سيناء وسرعان ما انضمت إليها جيوش بريطانيا وفرنسا وحاولوا احتلال مدينة بورسعيد ولكن تصدى لهم الجيش المصري والمقاومة الشعبية التي تطوع فيها مقاومون من معظم الدول العربية الذين آمنوا بالقومية العربية ورأوا في جمال عبدالناصر البطل العربي الملهم الذي يرفض الاستعمار والتبعية ويسعى لنيل الشعوب العربية استقلالها وحريتها وحقها في تقرير مصيرها.
ودارت معارك شرسة على أرض بورسعيد تصدى فيها أبطال المقاومة الشعبية للغزاة المستعمرين, حتى أجبروهم على الانسحاب مهزومين, بعد تدخل الاتحاد السوفيتي ورغبة أميركا في إزاحة بريطانيا عن زعامة الغرب وتحويلها من الأمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس إلى تابع للقطب الأميركي الصاعد اقتصاديا والمنتصر عسكريا, فانتهزت فرصة تورط بريطانيا في العدوان على مصر وإدانة دول العالم شرقه وغربه وتعاطفها مع مصر, لتعلن أميركا رفضها للنهج البريطاني.
وتخرج مصر عبدالناصر منتصرة سياسيا وعسكريا بعد انسحاب القوات الغازية عن كامل أراضيها ووضع قوات دولية على حدودها الشرقية مع إسرائيل وإقرار العالم بحقها في امتلاك وإدارة قناة السويس وتحول جمال عبدالناصر لبطل قومي, لينطلق بعدها ليدعم حركات التحرر في الجزائر وإفريقيا وآسيا وحتى في أميركا اللاتينية, بعد تأسيسه لحركة عدم الانحياز بالتعاون مع الزعيم الهندي جواهر لال نهرو والرئيس اليوغسلافي جوزيف بروس تيتو وكوامي نكروما الرئيس الغاني وأحمد سوكارنو الرئيس الأندونيسي في مؤتمر باندونج الشهير في أندونيسيا.
كانت الحركة تهدف لتصفية الاستعمار ومساعدة الدول الناهضة في نيل استقلالها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وانهيار الأمبراطوريات الاستعمارية القديمة, وإنشاء تكتل ثالث للدول المستقلة في مواجهة الحرب الباردة التي اشتعلت بين الدول الأعضاء في حلف الناتو تحت قيادة أميركا, والدول الأعضاء في حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفيتي وتنسيق المواقف بين دول عدم الانحياز في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية للخروج بمواقف مستقلة في مواجهة الصراع على النفوذ والسيطرة على العالم بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ولكن حركة عدم الانحياز ضعفت برحيل الآباء المؤسسين, ومحاولات القطبين المستمرة للهيمنة على الدول النامية والتي انتهت في تسعينيات القرن الماضي بتفكك الاتحاد السوفيتي على يد ميخائيل جورباتشوف.
ولكن بوصول الرئيس بوتين إلى الحكم في روسيا حاول استعادة قوة ونفوذ الدب الروسي وريث الأمبرطورية السوفيتية, والوقوف في وجه النفوذ الأميركي وهذه المرة كانت حلبة الصراع الأراضي السورية التي تئن تحت وطأة التدخلات الأجنبية التي عقدت الأزمة السورية وحولتها لبرميل بارود ينذر بنشوب حرب عالمية ثالثة.