د. سالم الفليتي :تعتبر الدفاتر التجارية الإلزامية (دفتر اليومية، دفتر الجرد، دفتر صور المراسلات والبرقيات والفواتير) وسيلة مهمة في إثبات النزاعات التي تنشأ بين التجار وغيرهم. ومسألة الإثبات بواسطة هذه الدفاتر التجارية تناولتها المواد (33)، (34)، (35)، (36) من قانون التجارة العماني، خذ علي ذلك مثالاً نص المادة (33)، حيث يجري نصها على أنه: "تكون الدفاترالتجارية الإلزامية حجة لصاحبها التاجر ضد خصمه التاجر إذا كان النزاع متعلقاً بعمل وكانت الدفاتر التجارية منتظمة حسب القواعد المتقدمة، وتسقط هذه الحجة بالدليل العكسي، ويجوز أن يؤخذ الدليل من دفاتر الخصم التجارية المنتظمة". وطالما أن للدفاتر التجارية هذه الأهمية في الإثبات، إلا أنه في المقابل تتضمن أسرار التاجر. فهل يجوز الإطلاع عليها؟ الأصل أنه لا يجوز الإطلاع عليها من قبل شخص آخر، إلا أن المشرع التجاري العماني أجاز استثناء من هذا الأصل الإطلاع على الدفاتر التجارية من قبل المحكمة وذلك عند وجود نزاع بين التاجر وغيره، في حالة ما إذا كان هذا النزاع يتعلق بعملية جرت بينهما، وتم تثبيتها في تلك الدفاتر التجارية، ويستوي أن يكون طلب الإطلاع من المحكمة ذاتها أو من الخصم، لاستخلاص الوقائع التي تتعلق بالدعوى المنظورة أمام المحكمة. وهذا ما صرحت به المادة (32) من القانون ذاته بقولها: "للمحكمة عند نظر الدعوى أن تقرر من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم إبراز الدفاتر والأوراق التجارية للإطلاع عليها واستخلاص ما ترى استخدامه منها فيما يتعلق بموضوع الدعوى". والسؤال الذي ينهض هنا، هل يكون التاجر ملزما بتقديم دفاتره التجارية متي ما طلبت المحكمة منه تقديمها؟ إن التاجر حر في أن يوافق على عرض وتقديم دفاتره التجارية للمحكمة أم لا، على اعتباره غير ملزم بتقديم دليل يدين به نفسه، على اعتبار أن الإنسان ـ كأصل ـ لا يجبر على تقديم دليل ضد نفسه أو مصلحته. ولكن ما يجب الإشارة إليه أنه متى ما رفض التاجر تقديم دفاتره التجارية للمحكمة التي تنظر النزاع، فإن ذلك يعرضه لخسارة الدعوى. والمحكمة وهي تطلع على الدفاتر التجارية فهي ـ بلا شك ـ تقصد من ذلك استخلاص دليل للحكم في النزاع الناشئ بين التاجر وخصمه، ولا يشترط في الحصول على هذا الدليل أن تكون تلك الدفاتر منظمة، فالمحكمة تستطيع أن تستخلص من هذه الدفاتر ما تراه يخدم الدعوى، كما أن التاجر أو خصمه باستطاعته تقديم أدلة أخري تؤيد دعواه، أو تقديم دليل آخر مناقض ما هو مدون في الدفاتر التجارية، استثناء لمبدأ حرية الإثبات في المسائل التجارية، تجسيداً لنص المادة (3) من قانون التجارة العماني "الأصل في العقود التجارية جواز إثباتها بكافة طرق الإثبات مهما كانت قيمتها ما لم تنص مواد هذا القانون على خلاف ذلك". * استاذ القانون التجاري والبحري المساعد ـ كلية الزهراء للبنات
[email protected]