[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
بإعلان الجيش العربي السوري بيانه الرسمي عن تمكنه مع الحلفاء من تحرير مدينة دير الزور وتطهيرها من رجس الإرهاب "الداعشي"، وإعادة الأمن والاستقرار إليها بالكامل، يثبِّت قَدمًا أولى في معركة استعادة الحدود مع العراق والأردن وتركيا، ويضرب موعدًا آخر مع التاريخ ليخط عليه سطرًا جديدًا من سطور إنجازاته وانتصاراته على الإرهاب العابر للقارات الذي لم تتورع قوى كبرى ـ للأسف ـ عن إشهار علاقة الأمومة والأبوة مع تنظيماته، وتكفلها بدعم الإرهاب في الوقت الذي تزعم أنها تحاربه، وتدَّعي أنه خطر لم يصل إلى أبوابها فقط، وإنما أخذ يضرب في العمق ويوجع، في ازدواجية غريبة أو بالأحرى في نفاق واضح، لكنه يكشف في وجهه الآخر عن مدى الاستثمار في هذا الإرهاب وخاصة الإرهاب القاعدي بذراعيه "داعش والنصرة"، ومحاولة هذه القوى المستثمرة والداعمة فرض جدار سميك من الدعاية المكذوبة والمفضوحة على الرأي العام لديها بأن ما تعيثه فسادًا وتعبث به من جغرافيا وتسفكه من دماء، وما تشرده من ملايين الأبرياء في المنطقة، وما تنهبه من مقدرات وثروات شعوبها، إنما هو لأجل محاربة هذا الإرهاب الذي يؤذي مواطنيها. صحيح أن المتغير في السياسة الاستعمارية الامبريالية لهذه القوى أنها باتت لا تخسر شيئًا، فهي لم تصرف دولارًا واحدًا من خزينتها، ولم تخسر نقطة دم واحدة من جنودها أو مواطنيها؛ أي تجني الأرباح صافية دون جهد أومقابل مالي وبشري، وذلك لتكفل البترودولار بدفع فاتورة الاستعمار الامبريالي في المنطقة لأسباب معروفة وواضحة، إلا أن مع كل ذلك يبقى الرابح الأكبر الذي يعمل جميع أصحاب الأدوار الوظيفية على خدمته، هو كيان الاحتلال الإسرائيلي وعلى تحقيق الأهداف التي يسعى وحلفاؤه الاستراتيجيون إلى إنجازها، فمن يتابع فصول هذا العبث بالجغرافيا والدماء والأوطان والاستقرار والأمن والثروات والمقدرات، سيجد أن المستفيد ولا غيره في المنطقة هو هذا الكيان الاحتلالي الإرهابي.
دير الزور عادت إلى حضن الوطن السوري كما عادت من قبل مدينة حلب ومدينة حمص والقلمون والقصير وتدمر وغيرها، وهذه العودة تؤسس لخطوة قادمة لضرب حلقة جديدة من سلسلة المخطط التآمري الذي يستهدف سوريا وتفتيتها، وتمثل استعادة الجيش العربي السوري وحلفائه دير الزور أهمية لا تقل عن أهمية استعادة مدينة حلب، بالنظر إلى طبيعة هاتين المدينتين، فدير الزير لطالما كانت محط استعمار حقيقي يهدف إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول بنهب ثرواتها الطبيعية حيث تشتهر المدينة بحقول النفط والزراعة من جهة، ومن الجهة الأخرى بتقسيم سوريا، وعزلها عن التواصل الطبيعي مع العراق ولبنان.
الجيش العربي السوري من جهته أكد في بيانه أن "تحرير" مدينة دير الزور يشكل "المرحلة الأخيرة في القضاء النهائي على تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا، خاصة أنها كانت تمثل المقر الرئيسي لمتزعمي التنظيم". وأضاف البيان أنه "بفقدان سيطرته عليها يفقد قدرته بشكل تام على قيادة العمليات الإرهابية لمجموعاته التي أصبحت معزولة ومطوقة في الريف الشرقي للمدينة"، مؤكدًا تصميمه على مواصلة الحرب ضد "ما تبقى من فلول تنظيم "داعش"الإرهابي وغيره من التنظيمات الإرهابية".
واللافت أن هذا الإنجاز السوري بتحرير مدينة الزور تزامن مع إنجاز عراقي مشابه، وذلك باستعادة القوات العراقية قضاء القائم بالقرب من الحدود مع سوريا، حيث يضع الجيشان السوري والعراقي نصب أعينهما الوصول إلى البوكمال وتحريرها من قبضة تنظيم "داعش" الإرهابي، وبذلك يكون التنظيم الإرهابي قد طرد من آخر معاقله، وفي الوقت ذاته تحاول الولايات المتحدة عبر ميليشياتها الكردية الانفصالية المسماة "قوات سوريا الديمقراطية" الوصول إلى البوكمال قبل وصول الجيشين السوري والعراقي؛ أي أن ثمة احتدامًا للمنافسة لمن يصل أولًا ويسيطر على المدينة. وما من شك أن الجانبين السوري والعراقي يتحسبان لعملية تسليم وتسلم واستبدال الرايات بين الولايات المتحدة وميليشياتها الكردية الانفصالية وبين صنيعتها تنظيم "داعش" الإرهابي، كما جرى في مدينة الرقة، وفي حقول النفط السورية.
غير أن ما يلفت الانتباه أكثر هو تحريك الملف الكيماوي من قبل المعسكر المعادي لسوريا والمتآمر عليها، وذلك بمحاولة رفع نبرة الاتهامات المفبركة وإلصاقها بالحكومة السورية عبر مجلس الأمن الدولي، وإحراج روسيا في المجلس وإظهارها بأنها تتستر على الحكومة السورية. فتحريك الملف هذا ـ ولمن يتابع مسار الأحداث ـ جاء مباشرة بعيد استعادة الجيش العربي السوري وحلفائه لمدينة الميادين بمحافظة دير الزور وطرد تنظيم "داعش" الإرهابي منها في عملية عسكرية لعبت فيها قوات روسيا الفضائية دورًا كبيرًا، ثم اكتشاف المخزون الهائل من الأسلحة المتطورة المصنعة في دول حلف شمال الأطلسي والمزود بها تنظيم "داعش"، ما شكَّل ضربة مؤلمة لمعسكر التآمر والعدوان، وفضيحة له في الوقت الذي يدَّعي فيه محاربة "داعش"، كما يوفر هذا المخزون الهائل قدرة قتالية ووفرة مالية للدولة السورية، لذلكحاول معسكر التآمر والعدوان التغطية على فضيحته والتشويش والتحريض ضد سوريا وحلفائها وإرباك تحرك الجيش العربي السوري وحلفائه وتقدمهم الميداني، عبر تصدير ملف استخدام السلاح الكيماوي، وتسييس تقرير الأمم المتحدة عن حادثة خان شيخون.وبالتالي بعد إنجاز تحرير مدينة دير الزور بأكملها لا يستبعد أن يثار هذا الملف بصورة أكبر لتردف هذه الخطوة خطوة الدعم الإسرائيلي لإرهابيي تنظيم "جبهة النصرة" في مدينة حضر بالجولان السوري المحتل والدفع بهم لشن هجمات إرهابية ضد المدنيين والقوات الأمنية بالمدينة. على أنه من المؤكد أن جعبة معسكر التآمر والعدوان حبلى بافتراءات ومماحكات جديدة وهجمات عدوانية إرهابية مع كل إنجاز يتحقق لصالح الدولة السورية، وما محاولة ضرب الاستقرار في لبنان إلا إحدى طلقاتها.

[email protected]