[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
”لقد استوقفني حقا اندهاشا قرار وزيرة الدفاع اليابانية تومومي اينادا بقرار الاستقالة الذي اتخذته قبل عدة ايام واشفعت استقالتها باعتذار مقتضب يبتعد عن ايجاد مسوغات تخفف من وطأة الخطأ الذي وقعت فيه, اقول استوقفني موقفها في اللجوء إلى الاستقالة, فإن ما زاد هذا الاندهاش اقدام رئيس وزراء اليابان على الاعتذار للشعب الياباني عنها وعنه بوصفه مسؤولها المباشر.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بين منظومة الإهمال بكل ما يحمل من تقاعس ومنظومة الامتلاك الأخلاقي القائم على تقدير المسؤولية تظل المواقف عرضة للاختلال اذا لم يحسن المرء استخدام هامش العزم في مواجة الاستخفاف والتسيب والسهو والتأجيل والخطأ بنوعيه المتعمد والعفوي وكذلك اذا لم يحسن الترفع عن اسقاط انحرافاته على الآخرين.
الحال هناك من يتأقلم مع هذه الظواهر النفسية والاجتماعية السيئة تحت وطأة الإيغال فيها, أو تحت وطأة الأمل بالإصلاح لاحقا, لكنه مع الأسف يقطع الطريق على نفسه وينزع إلى المواربة, ويمعن فيها بما (يصون) اهماله, وتلك هي ابشع المبررات التي تعاني منها المجتمعات, كل المجتمعات, اذ ليس هناك مجتمع منزها عن الاصابة بإحدى تلك الظواهر أو بجزء منها, أو بجميعها, وهكذا يكون الانحدار عن التحلي بالمسؤولية قد هيمن على الوضع العام.
لقد استوقفني حقا اندهاشا قرار وزيرة الدفاع اليابانية تومومي اينادا بقرار الاستقالة الذي اتخذته قبل عدة ايام واشفعت استقالتها باعتذار مقتضب يبتعد عن ايجاد مسوغات تخفف من وطأة الخطأ الذي وقعت فيه, اقول استوقفني موقفها في اللجوء إلى الاستقاله, فإن ما زاد هذا الاندهاش اقدام رئيس وزراء اليابان على الاعتذار للشعب الياباني عنها وعنه بوصفه مسؤولها المباشر.
خلاصة القصة تتعلق بتقرير مرفوع الى الوزيرة كان عليها ان تضعه على طاولتها لاتخاذ ما يلزم بشأنه لحماية بعثة السلام اليابانية العاملة جنوب السودان بعد ان افاد تقرير باحتمال تعرضها لخطر الاصطدام المسلح مع جهات سودانية فاعلة, وما زاد الطين بلة ان التقرير اختفى من ملفات الوزارة في حين ان الدستور الياباني ينص صراحة على اتخاذ كل اجراءات التحسب لحماية بعثات السلام اليابانية العاملة خارج البلاد مع المزيد من الدقة والقراءة الواعية التي تحول دون تعرضها لأية تهديات محتملة علما ان هذا النوع من البعثات منتشر في بعض البلدان النامية ومنها العراق, وهي تختص بتقديم خدمات تندرج جميعها ضمن ما يعرف بمتطلبات السلام القائم على التنمية, وقد حظي العراق بواحدة من تلك البعثات التي اتخذت محافظة المثنى (السماواة) في منطقة الفرات الاوسط مجالاً لنشاطاتها في اقامة نافورات وبناء مدارس ومراكز صحية وتأهيل المحافظة بيئيا وفق حاجات الاصحاح ودرء خطر التلوث.
على اي حال, اعود إلى اندهاشي لأضيف ان اهمال الوزيرة اليابانية اينادا لذلك التقرير لم يتسبب بأي ضرر لبعثة بلادها جنوب السودان ومع ذلك هاج الرأي العام الياباني عليها ولم يهدأ كون الموضوع يرتبط بواجب التحسب والملاحقة الوقائية ليس الا, فما بالك بأصحاب مسؤوليات ادارية وسياسية تسببوا بالمزيد من الكوارث لبلدانهم, لكنهم استنفروا كل مفردات الحرص للتغطية على اخطائهم ودافعوا عنها.
ان لدينا في العراق اعدادا ليست قليلة من سياسيين واداريين من هذا الصنف بعضهم ما زال يواصل وظيفته بوقاحة الحمقى, وبعضهم الآخر هرب بعد ان ازكمت فضائحهم الانوف (وذاع صيتهم) لصوصا محترفين, بل ان عددا منهم تحالف مع مافيات عالمية وغيروا ملامحهم وحملوا جوازات سفر مزورة تحاشيا لشرطة الانتربول الدولي, لان العراق من الدول الموقعة على البرتوكول الخاص بهذه المؤسسة الامنية الدولية.
ان العراق بالنسخة المشار إليها من هؤلاء السياسيين والإدرايين يتقدم العديد من الدول على وفق قائمة منظمة الشفافية العالمية, ولي هنا ان استرجع ما قلته في احدى الندوات, ان حاجتنا تتفاقم في العراق لسياسيين شجعان ينتصرون لشرفهم الشخصي من خلال الاعتراف بما ارتكبوا من اخطاء ليضعوا انفسهم تحت تصرف القضاء, واضيف الآن اننا بحاجة ولو لسياسي واداري عراقي واحد فقط يملك فضيلة الاعتراف بالخطأ الذي ارتكبه على غرار انتفاضة الوزيرة اليابانية ليكون (قدوة) في الخلاص من وصمة التستر على ما اقترفه, انها أسمى أنواع البسالة الاجتماعية !!.