[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” ... رفع تقريره إلى المسؤول قبل الموعد المحدد في رسالة التكليف وكان في غاية الغبطة والرضا بذلك الإنجاز، انقضى أسبوع كامل وتبعه أسبوع آخر وثالث، انتظر أن يناديه المسؤول ليناقشه في مضامين ومحتوى الدراسة ويقدم عرضه حولها ويشكره على العمل المنجز أو يبلغه على أقل تقدير عن المصير الذي آل إليه ودرجة رضاه عنه وإبداء ملاحظاته إن وجدت لكي يستفيد منها في أعماله وتقاريره اللاحقة، ”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشهد الأول : شعر بالفخر والسعادة عندما استلم رسالة تكليف من مسؤوله، تطالبه بإعداد دراسة مبسطة عن موضوع حساس ودقيق مرتبط بشأن من شؤون المؤسسة يهم ذلك المسؤول ويقلقه بحسب ما ورد في رسالة التكليف ويدخل في الوقت ذاته ضمن اختصاص الموظف المكلف بالمهمة، بذل جهدا كبيرا في إعداد وتنفيذ وإنجاز ما كلف به، عمل صباحا ومساء، قام بالبحث عن المعلومة من مصادرها الصحيحة حرصا على تجويد ودعم وتعزيز العمل والاستناد عليها في تحليله وفي الوصول إلى النتائج، عصر أفكاره وخرج برؤى وحلول توخى فيها الواقعية والموضوعية فقد صمم منذ اللحظة الأولى على الارتقاء بالعمل ليكون على قدر المسؤولية التي كلف بها وينال في الوقت ذاته ثقة من كلفه به ... رفع تقريره إلى المسؤول قبل الموعد المحدد في رسالة التكليف وكان في غاية الغبطة والرضا بذلك الإنجاز، انقضى أسبوع كامل وتبعه أسبوع آخر وثالثا، انتظر أن يناديه المسؤول ليناقشه في مضامين ومحتوى الدراسة ويقدم عرضه حولها ويشكره على العمل المنجز أو يبلغه على أقل تقدير عن المصير الذي آل إليه ودرجة رضاه عنه وإبداء ملاحظاته إن وجدت لكي يستفيد منها في أعماله وتقاريره اللاحقة، مرت سنة كاملة وما زال على حاله يسرع بهمة لالتقاط سماعة الهاتف كلما أصدر رنينا ينبئه بأن طرفا آخر يبغي التحدث إليه، ومع كل رنين يخيب ظنه فالصوت القادم ليس صوت المسؤول، والتقرير ما زال قابعا في الدرج المعهود وطبقة الغبار المتراكمة على غلافه تزداد كثافة يوما بعد آخر .
المشهد الثاني : عقد المكلفون بتقييم الأداء في المؤسسة والبحث في أسباب التراجع وتعقيد الاجراءات وبطء إنجاز المعاملات التي يتحدث عنها المراجعون بمرارة في الآونة الأخيرة أكثر من اجتماع، ذلك بعد أن تلقوا تكليفا رسميا يتضمن إلى جانب ما أشير إليه إعداد ورسم خطة شاملة لتشخيص المشكلات وفهم المعوقات والارتقاء بالعمل وتطوير آلياته وأساليبه وإعداد العاملين إعدادا يساعدهم على النهوض بالمؤسسة ويمكنهم من التعامل مع الأدوات والوسائل الحديثة التي تتطلبها عملية الإصلاح والتطوير، وقد رأوا في ذلك التكليف اختبارا حقيقيا لمكانتهم كمسؤولين عن إداراتهم يفرض عليهم المبادرة والمشاركة الإيجابية في تقييم الواقع وفي اتخاذ القرار، واختبارا كذلك لمهاراتهم ومستوى أدائهم كمتخصصين في المهام الوظيفية التي يشغلونها، وتفرض عليهم ثقة المسئول بذل كل ما في وسعهم للتوصل إلى معالجات وأفكار قادرة على إعادة الثقة إلى المؤسسة والسرعة في إنجاز العمل ... ولم يمض أكثر من يومين على تقديم الخطة بشكلها النهائي حتى اكتشفوا بأن المسئول كلف طرفا آخر يثق في أدائه بإنجاز هذه المهمة، هو الأكثر قربا منه وفهما لسياساته، مدركا في الوقت ذاته بأنه سيعمل على وضع رؤيته وأفكاره التي تعكس مصالح وتوجهات هذا المسئول وأهدافه بدقة وإتقان موضع التنفيذ، وقد تأكد لهم بأن تكليفهم بهذه المهمة ما جاء إلا بغرض الدعاية والترويج والإيهام بأن المسئول مؤمن بالديمقراطية وحريص على إشراك المعنيين في اتخاذ القرار.
المشهد الثالث : بحكم اختصاص ومهام وظيفته فقد أعد تقريرا مفصلا مدعوما بالبيانات والأمثلة عن حجم التجاوزات والمخالفات المالية والقانونية والإدارية التي تحدث في المؤسسة، وأشار فيه إلى حجم النفوذ الذي يتمتع به بعض المسئولين في الإدارات العليا وكيفية توظيف ذلك النفوذ وتوجيهه وتكريسه بما يخدم مصالحهم ويعزز نفوذهم، وانعكاسه السلبي من ثم على سمعة المؤسسة ومكانتها وعلى مسيرة الأداء بشكل عام، وأثبت التقرير بجملة من الأمثلة والنماذج دقة الملاحظات التي أوردها، وختم بعدد من التوصيات والمقترحات لإصلاح حال المؤسسة وعلاج أوضاعها السقيمة، وتفعيل الآليات والوسائل التي من شأنها الكشف عن التجاوزات والممارسات غير المسئولة التي يمكن أن تحدث في المستقبل ... بعد أقل من شهر من تقديمه للتقرير تم نقله بقرار موقع من قبل المسئول الأعلى إلى وظيفة ثانوية لا تتلاءم مع تخصصه العلمي ولا تتيح له الاطلاع أو البحث أو إبداء الرأي في شئون المؤسسة الحساسة في المستقبل، بعد عملية بحث وتقص استخدم فيها طرقه الخاصة ومن خلال علاقاته تبين له بأن المسئول الذي قرر نقله، ليس بعيدا عن الشبهة وله مصالح وارتباطات مع أولئك الذين أشار إليهم التقرير وتأكد له بأن لعبة المصالح وتعقيداتها وتشابكاتها يتطلب كشفها وتفكيكها أكثر من مجرد تقرير يرفعه موظف في وظيفة عادية تعجز النصوص القانونية ومن يقوم على تنفيذها عن حمايته .
المشهد الرابع : علق رئيس الاجتماع بسخط على الحلول التي تضمنتها ورقة العمل المقدمة للتخفيف من آثار المشكلة التي من أجل بحثها ومعالجتها تم تشكيل اللجنة، ذاك لأنها تتعارض مع مصالحه الخاصة وتعمل على إحباط المشاريع التي تدور في ذهنه وتفضي إلى تنامي ثرائه، وما أن تبين له من خلال المناقشات بأن تلك الأفكار تنال استحسان بعض الأعضاء الذين أوضحوا بالحجة المقنعة على واقعيتها وموضوعيتها وسلامتها وقدرتها على العلاج، وأنه وبدون تطبيقها ستظل تلك المشكلة مهيمنة على الواقع - ما أن تبين له ذلك - حتى أفاض وانبرى بكل ما يملك من أسلحة بيانية وتقريعية وتخويفية لكبت ذلك التأييد وضمان أن لا تلقى الأفكار المقدمة للاجتماع الموافقة وأن لا تجد طريقها للتطبيق، بعد بيانه الطويل صمم على إنهاء الاجتماع قبل استكمال المناقشات بحجة ارتباطه بمهام رسمية أخرى وبأن الوقت المخصص قد نفد مؤملا أن يجد منفذا - وما أكثر المنافذ التي يجدها مثل هؤلاء لإسقاط الأفكار الصالحة التي تتعارض مع مصالحهم - وقد تحققت مآربه فعلا بفضل خبراته السابقة في التعامل مع مثل هذه المواقف وبفضل الضغط المحكم والدبلوماسية المؤثرة والتنسيق الفاعل مع عدد من أعضاء اللجنة خاصة ممن تربطه بهم أكثر من مصلحة .

[email protected]