تضمينه لعدد من الصور التاريخية أعطاه زخما إضافيا
مسقط ـ العمانية:
يسجل كتاب "الهجرات العمانية إلى شرق إفريقيا ما بين القرنين الاول والسابع الهجريين .. دراسة سياسية وحضارية" للكاتب سعيد بن سالم النعماني حضورا بارزا لدى الكثير من محبي التعرف على التاريخ العماني إضافة الى أنه أصبح واحدا من المراجع التي يستعين بها طلبة الدراسات العليا في هذا المجال نظرا لما يشمله ذلك الكتاب من معلومات وحقائق قيمة والذي صدر بدعم من النادي الثقافي ضمن مشروع البرنامج الوطني لدعم الكتاب.
اشتمل الكتاب على 8 فصول من خلال بابين، كل باب احتوى على أربعة فصول، ورغم كبر حجم الكتاب الذي جاء في 623 صفحة، إلا أن القارئ بتمعن في مضمونه سيجد نفسه مسترسلا بكل شوق لاستكشاف التاريخ المجيد لعمان في تلك الفترة التي تحدث عنها الكاتب.
كما أن تضمين الكتاب لعدد من الصور التاريخية للتواجد العماني في شرق إفريقيا أعطاه زخما إضافيا خصوصا وأن الكاتب اجتهد كثيرا في البحث والتحري عن كل معلومة، حيث نجده قد استعان بأكثر من 200 مصدر ومرجع.
ويرى سعيد النعماني أن الحديث عن كتاب الهجرات العمانية إلى شرق إفريقيا، حديث عن مشكلة ما فتئ الباحثون يتكلمون عن سطوتها على جهودهم، عند البحث في بعض مسائل التاريخ العماني، حيث تواجههم معضلة ندرة المعلومات المصدرية، وأحيانا انعدامها، بسبب عدم التسجيل التاريخي، لكثير من جوانب التاريخ العماني والوجود الحضاري للعمانيين في سواحل شرق إفريقيا، هو أحد تلك الجوانب التي لم تحظ بالتوثيق التاريخي حيث أحدث ذلك الوجود الكثير من التأثيرات، ما غير مجرى تاريخ تلك المنطقة؛ ويرجع الفضل بعد الله تبارك وتعالى، إلى الجلندانيين الذين هاجروا في القرن الهجري الأول من عمان، إلى لامو على الساحل الكيني.
وقال النعماني عند سرده لمشكلة المصادر والمراجع: إن المشكلة في دراسة التاريخ العماني، تتمثل فعلا في ندرة المعلومات المصدرية، في جوانب من تاريخ عُمان، وانعدامها في جوانب أخرى، رغم أن العمانيين كانوا من أوائل من اشتغل بالتأليف منذ بواكير العصر الإسلامي، استنادا إلى أن كتاب ديوان جابر، الذي تذكره بعض المصادر، ينظر إليه باعتباره أول مصنف في تاريخ الإسلام، حيث ألفه الإمام جابر بن زيد اليحمدي خلال القرن الهجري الأول، في سنة من فترة عمره التي امتدت من سنة 21هـ حتى سنة 93هـ.
ويأتي كتاب الهجرات العمانية إلى شرق إفريقيا، كدراسة غير مسبوقة في هذا الحقل، ومَثَّلَ البحث فيه محاولة لتخطي حاجز ندرة وانعدام المعلومات المصدرية، من خلال توظيف الإشارات التاريخية، التي تستلفت انتباه الباحث في بعض المصادر التاريخية العربية، مثل كتاب "مروج الذهب ومعادن الجوهر" للمؤرخ الشهير أبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي، وكتاب "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" لأبي عبدالله محمد بن أحمد بن البنَّاء المعروف بالمقدسي البشاري، وكتاب "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" لأبي عبدالله محمد بن محمد بن عبدالله بن إدريس الحموي الحسني المعروف بالشريف الإدريسي.
ويجد المطلع على كتاب الهجرات العمانية إلى شرق إفريقيا أن الكاتب والباحث سعيد النعماني نجح في استجلاء تاريخ الوجود العماني المبكر في جزر ومدن الساحل الإفريقي، وقدم معرفة علمية موثقة عن ذلك التاريخ في جانبيه السياسي والحضاري.
كما تصدى لبعض المسائل المختلقة في الوجود التاريخي وتأثيرهم الحضاري، من أجل طمس الوجود والتأثير الحضاري العماني، الذي لا يرقى إلى مستواه وجود آخر، لأن مدن الساحل وجزره ظلت تحكم من قبل العمانيين لمدة بلغت (1264) سنة تقريبا.
كما ناقش الكتاب بعض المشاكل الاجتماعية الأخرى، وقدم تفنيدا علميا مبنيا على معلومات تاريخية موثقة، ونفس الشيء فعله مع مشكلة التأثير الوجود غير العماني وهما مسائل اتكأ عليهما المستشرقون لضرب حالة الوئام بين العرب وكل من الأفارقة، ليتسنى للقوى الاستعمارية الأوروبية إنهاء النفوذ العربي العماني في هذا الزمن، وبسط السيطرة الغربية الحديثة على المنطقة.
وبجانب ما حققه هذا الكتاب من سبق في دراسة تاريخ الوجود العماني في شرق إفريقيا فإنه توصل كذلك إلى نتائج غير مسبوقة في بعض جوانب تاريخ عمان، ومن ذلك تمكن المؤلف من تحديد سنة قيام سلطنة بني نبهان، وتحديده لهوية السلطان عمر بن نبهان الذي ورد ذكره في مصادر التاريخ العربي بأنه عمر بن نبهان الطائي وغير ذلك من المسائل مثل بحثه المعمق في تعدد تسمية عمان والأمم الحضارية التي توالى وجودها على أرضها، وبحثه الرصين في مسألة عزل الإمام الصلت بن مالك والتأثيرات الخطيرة التي أحدثها قرار العزل والمعارضة التي نشأت ضده.
وبذلك، يكون هذا الكتاب قد أوجد الأرضية الأساسية، لبحوث ودراسات سوف يتوالى ظهورها بين حين وآخر على أيدي الانسان العماني المخلص والساعي في البحث والتحري عن كل ما يهم خدمة مجتمعه ووطنه.