”ان ما يعزز التجربة السياسية باتجاه الدعوة الى التضامن والسلام والتفاهم، اليقين القاطع أن الحروب لا تصنع سلامًا حقيقيًّا حتى وإن كانت باستحقاقات معينة، وأن من مفاتيح السياسة في منطقتنا عمومًا أن نواجه هذه الخسائر الجسيمة المتكررة بسبب الحروب ودورات العنف، ولذلك لا بدّ من الانشغال في بحث عن مكاسب معينة تغني المنطقة عمومًا من تلك الخسائر ومن الشعور بالخيبة.”
[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
يسترعينا كثيرًا هذا الانتظام المحكم للورع السياسي الذي تتميز به سلطنة عمان رغم كثرة المنافع الجانبية والاصطفافات لهذا الطرف أو ذاك للتخلي عن هذا الورع والكف عن الاحتكام إلى العقل ضمن إغراءات قائمة على قدم وساق، فهنا وهناك من يشتري ويبيع مواقف تحت وطأة أخلاقيات سوق سياسية صار من الشائع الآن كثرة المتعاملين فيها في زحمة عروض إقليمية ودولية لمتلازمة العنف وشراء الذمم وتداول الاستفزازات والقطيعة.
ربما هناك من يقول إن هذا الوقار السياسي العماني، أو قل الحشمة السياسية فرضتها الإمكانيات المتواضعة التي تمتلكها السلطنة بما يجعلها تتوخى الحذر في التعامل مع هذه القضية أو تلك.
الحال أن هذا التوصيف يلحق ضررًا بالغًا بالحقيقة إذا أخذنا بالاعتبار دولًا كثيرة أقل من إمكانيات السلطنة جغرافيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا ولا تملك إرثًا حضاريًّا مثل الذي تمتلكه سلطنة عمان، ولكن مع كل ذلك سوقت نفسها رموزًا للقوة، وحاولت أن تسطو على حقوق دول أخرى وتجاذبت في تناقضات مع دول إقليمية ضمن عمليات كر وفر لتحقيق مآرب معينة، أو بالحد الأدنى لمحاولة إشعار الآخرين أن تحسب لها مكانة في المنصات الإقليمية إشباعًا لفقر الموقف الذي تعاني منه، بل وذهبت هذه الدول أبعد في مناوشات، وهكذا فإن من الظلم أن يوجه للسياسة العمانية باحتساب مواقفها المحتشمه استنادًا إلى تواضع إمكانياتها.
إن الحساب على هذا الأساس المغشوش هو في حد ذاته مناقض للحكمة التي تضع بالاعتبار أن الهدف العام للدولة العمانية منافسة الدول الأخرى في المواقف التي تجدها مناسبة لبناء علاقات طيبة مع الجميع في إطار صميمي يستمد حضوره من الرؤية الدولية الصحيحة، وما يحتوي عليه الميثاق العتيد الخاص بالأمم المتحدة، ثم ماذا يبقى لقيم السلام والمصالح المشروعة ومبادئ التكاتف لمواجهة التحديات المشتركة إذا كان التمكين بالقوة فقط وليس غيره هو وسيلة الحل.
إن ما يعزز التجربة السياسية باتجاه الدعوة إلى التضامن والسلام والتفاهم، اليقين القاطع أن الحروب لا تصنع سلامًا حقيقيًّا حتى وإن كانت باستحقاقات معينة، وأن من مفاتيح السياسة في منطقتنا عمومًا أن نواجه هذه الخسائر الجسيمة المتكررة بسبب الحروب ودورات العنف، ولذلك لا بدّ من الانشغال في بحث عن مكاسب معينة تغني المنطقة عمومًا من تلك الخسائر ومن الشعور بالخيبة، ومن نزعات الثأر والتشفي وانتظار فرص القتال مجددًا، وفي ذلك مناقضة صارخة للشعور بالأمن والاطمئنان، ويحضرني هنا ما قاله السياسي الألماني المحنك بسمارك (السياسة أن تدعو عدوك للعشاء في يوم من الأيام).
إن ما يعيننا على التبصر في شؤوننا، مراجعة ما نحن عليه من حال مزرٍ، ثم لماذا لا نأخذ بالأمثلة الواقعية في مناطق أخرى من العالم، ومن ذلك التجربة الصينية في التعامل مع قوى تزاحمها إقليميًّا ودوليًّا، لكنها تحافظ على المساعي الرامية الى التجانس والشراكة في المصالح، وبهذا المنطق أن لجوء بعض الأطراف إلى ضرورة الردع، إنما يجعل المنطقة عمومًا تحت طائلة حروب متكررة، مع ملاحظة أن بعض هذه الأطراف تورطت فيها وأخذت تستنزف إمكانياتها مع عدم وجود أفق محسوب للنهاية، ولنا في قول حكيم عربي ما يؤكد ذلك:
ومن ظن ممن يلاقي الحروب بأن لا يصاب فقد ظن عجزًا