الرياضة وسيلة فعالة لتقوية الجسم والمساهمة الفعّالة في بنائه وتنمي أخلاق الفرد القرآن الكريم قرر أنّ المنافسة دائماً تكون في التسابق لفعل الخيرات والتقرب إلى اللهأحمد محمد خشبة:اهتمّ الإسلام بالإنسان روحاً وبدناً، فوفر للروح حاجتها وأسباب سعادتها، وفي ذات الوقت لم يهمل البدن وعوامل قوامه وقوته، فدعا للاهتمام به والأخذ بأسباب قوته وأسس بنائه. روح التعاونومن هنا يأتي دور الرياضة كوسيلة فعالة لتقوية الجسم وتقويمه والمساهمة الفعّالة في بنائه، وتنمي أخلاق الفرد وتحسن من علاقاته ومعاملاته مع الآخرين، وتنمي فيه روح التعاون والمنافسة الشريفة الهادفة بين الأفراد والجماعات، وكان (صلى الله عليه وسلّم) يوجه الصحابة إلى ممارسة الأنشطة الرياضية المفيدة، لما فيها من فوائد جمّة للأجساد والمحافظة على سلامتها، قال (صلى الله عليه وسلّم):(المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير) ـ (صحيح مسلم)، وقال (صلى الله عليه وسلّم):(وإن لجسدك عليك حقا) ـ (رواه مسلم).وتعاطي الرياضة في الإسلام جائز ومباح بشرط أن تكون الممارسة بريئة من كل معصية، وهادفة إلى تقوية الأبدان، وتقوية الأرواح، فلا يحل كشف العورة بحجة ممارسة الرياضة، وأن لا تلهي الرياضة عن أداء العبادات والواجبات الدينية في أوقاتها كما أمر الله، فلا تضيع الصلاة ولا تُنهك حُرمة الصيام، والرياضة المباحة في الإسلام هي التي لا تلهي صاحبها عن أي واجب شرعي، قال تعالى:(رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) (النور ـ 37) وحذّر ديننا الحنيف بعدم اتخاذ المسابقات الرياضية وسيلة للكسب الحرام كالمراهنات والقمار، والرياضة المشروعة في الإسلام كذلك هي التي لا تُعرض حياة الإنسان للخطر المحقق، قال تعالى:(وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة ـ 195).الروح الرياضيةولقد علمنا القرآن معنى الروح الرياضية عندما قال تعالى:(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) (آل عمران ـ 165) قال أهل التفسير معناه قد أصبتم يوم بدر، وذلك لأن المشركين قتلوا من المسلمين يوم أحد سبعين وقتل المسلمون منهم يوم بدر سبعين وأسروا سبعين. والثاني: أن المسلمين هزموا الكفار يوم بدر، وهزموهم أيضاً في الأول يوم أحد، ثم لما عصوا هزمهم المشركون، فانهزام المشركين حصل مرتين، وانهزام المسلمين حصل مرة واحدة (قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا) هو التنبيه على أن أمور الدنيا لا تبقى على نهج واحد، فلما هزمتموهم مرتين فأي استبعاد في أن يهزموكم مرة واحدة، ولقد ضرب لنا النبي (صلى الله عليه وسلم) أروع الأمثلة في التحلي بالروح الرياضية والخلق الرياضي القويم وتقبل الهزيمة كتقبل الفوز والاعتراف للخصم بالتفوق وعدم غمطه حقه لأن لا يعد ذلك نوعا من الكبر، فعن أنس قال:(كان للنّبِيّ صلى الله عليه وسلم ناقة تسمّى الْعَضْبَاءَ لا تسبق، فجاء أعرابيّ على قعود فسبقها، فشقّ ذلك على المسلمين حتى عرفه، فقال: حقّ على الله أن لا يرتفع شيء من الدّنيا إلا وضعه) ـ (أخرجه أحمد).لا يجادل ولا يتكبروالروح الرياضية تعني أن يكون المرء على درجه كبيرة من التحمل والصبر، وتقبل الهزيمة كما يتقبل الفوز، وأن يماري ولا يجادل ولا يتكبر في قبول الحق، فليس ذلك من الروح الرياضية في شيء، ولقد عرف النبي (صلى الله عليه وسلّم) الكبر بأنه رد الحق وعدم إنصاف الناس، عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول اللهِ (صلى الله عليه وسلّم): لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر، قال: فقال له رجل: إنّه يعجبني أن يكون ثوبي حسنا، ونعلي حسنة؟ قال: إنّ اللّه يحبّ الجمال، ولكنّ الكبر من بطر الْحقّ، وغمص النّاس ـ (أخرجه أحمد ومسلم). دستور للمنافسةوالحقيقة أن المنافسة أحد المفردات الهامة في حياتنا، وسمة بدأت مع بدء الخليقة، في الكثير من الأحيان كانت المنافسة تأخذ شكل الصراع والتناحر، وفي قليل من الأحيان تأخذ شكل المواجهة النظيفة، لقد وضع القرآن الكريم دستوراً للمنافسة عندما قرر أنّ المنافسة دائماً تكون في التسابق لفعل الخيرات والتقرب إلى الله عز وجل، الحكمة في هذا واضحة وجليّة، فهي منافسة ترتفع بالإنسانيّة وتنهض بالمجتمعات، وتصل بالإنسان إلى برّ الأمان، إذن المنافسة محمودة عندما تخلص النيات وتتجه القلوب والعقول إلى فعل أشياء ذات قيمة تخدم الدنيا والدين، والمنافسة مذمومة عندما ترتبط بالتعدي أو التحايل من أجل أخذ حقوق الآخرين أو ممتلكاتهم.وبشكل عام فإنّ العصر الحالي شهد تطورات عديدة أشعلت روح المنافسة في جميع المجالات، المنافسة بين الناس، والمنافسة بين المؤسسات، والمنافسة بين الدول، المنافسة بين الأيدولوجيات..ناهيك عن المنافسات الرياضية .. محل حديثنا.نقاط القوة والضعفولكن مما يؤسف هو أنّ المنافسة بدأت تطل بوجهها القبيح في هذا العالم، فكلّ طرف في عالم المنافسة بدلاً من أن يبذل قصارى جهده في تنمية قدراته يبذل أقصى ما في وسعه لهدم قدرات الطرف الآخر، وبدلاً من أن يشغل وقته في تحديد نقاط القوة والضعف لديه ولدى منافسه، تجده يشغل وقته في البحث عن ثغرة يوجه من خلالها إلى منافسه ضربة قاضية، في عالم الرياضة أو التجارة والأعمال نرى المنافسة على أشدها، الحقيقة أن هذه المنافسة عندما تسير في اتجاهها الصحيح فإنّها تقدّم أعظم الأثر على المجتمع وعلى أفراده، فالمنافسة دائماً تصبّ في مصلحة المستهلك عندما تتسابق المؤسسات نحو التعرّف على احتياجات المستهلكين ورغباتهم، وتبذل أقصى ما في وسعها في سبيل تقديم منتجات وخدمات تلبّي هذه الاحتياجات، أيضاً فإنّ المنافسة السوية تجعل المؤسسات دائماً تضع قدرات المستهلك في اعتبارها ومن ثمّ تكون حريصة أشد الحرص على تقديم ما يتناسب مع قدراته وإمكاناته. ومع استمرار المنافسة السوية تستمر المؤسسات في البحث الدءوب عن أفكار لمنتجات وخدمات جديدة تشبع احتياجات متجددة لعملائها، أيضاً المنافسة السوية دائماً تجعل المؤسسة دائماً متحفّزة للإنصات إلى صوت عملائها والتعرف على مشكلاتهم ومقترحاتهم، ليس هذا فقط بل أن المنافسة السوية تجعل المؤسسات تسابق نحو تقديم الدعم المادي للمشروعات الخيريّة والاجتماعيّة التي تخدم الناس والمجتمع. المنافسة التي تحقق هذه المعاني تحدث بلا شك تطوراً ملحوظاً في المستوى المعيشي للمجتمع، وتخلق حالة من الرواج تنعكس بشكل مباشر على اقتصاد الدولة وقدرتها على اختراق الأسواق الدولية. على النقيض من ذلك فإنّ المنافسة عندما تسير في الاتجاه غير المرغوب تفقد المؤسسات والمجتمعات القدرة على التطوير، فالتقليد والاحتكار والسعي لترويج الشائعات التي تشكك في جودة منتجات وخدمات المنافسين، وحروب الأسعار، وسحب المنتجات من السوق سعياً لمضاعفة أسعارها، والغش في المواصفات والمواد المستخدمة في صناعة المنتجات، والتغرير بالمستهلك وإمداده بمعلومات مزيفة، كلّ هذه الممارسات تسبّب أضراراً جسيمةً لجميع الأطراف، المنافسة يجب أنْ تكون دائماً منهجاً للبناء وليس معولاً للهدم .. وللحديث بقية.* إمام وخطيب جامع ذو النوريين [email protected]