[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/haithamalaidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]هيثم العايدي[/author]
ما يثير السخرية المحملة بالأسى أن تتبع غالبية الرسائل التي تحظى بكم كبير من التفاعل على هذه المواقع، تأتي من صفحات مجهولة الهوية، وغالبا ما يتضح أن وراءها أطرافا بمخططات ومشاريع تدميرية، يرغبون في تحقيقها، سواء كانت هذه المخططات تهدف إلى تحويل الثوابت إلى مادة للسخرية والاحتقار، أو التقليل من قيمة الاعتزاز بالهوية الوطنية...

من كونها مجرد تطور جديد لمواقع الدردشات الإلكترونية صعد المهووسون بما تسمى مواقع التواصل الاجتماعي بها إلى مصاف المصادر الأولى للمعلومات، مستغلين بذلك وجود قدر كبير من غياب الوعي بآليات التحقق من الأنباء بالتزامن مع ممارسات لكثير من وسائل الإعلام التي سقطت في فخ الرغبة في تحقيق الانتشارية على حساب المصداقية.
فأول أسباب احتلال مواقع التواصل الاجتماعي لهذا الحيز الكبير في عقول متابعيها يأتي من إعلاء المصطلح الإنجليزي الذي يشير إليها والمعنون بـ(social media) والذي تعني ترجمته (إعلام اجتماعي)، الأمر الذي حدا بالكثيرين إلى النظر لهذه المواقع على أنها مواقع إعلامية لا تحتمل التشكيك في مصداقية محتوياتها بغض النظر عن طبيعة هذه المواقع؛ كونها تنتمي إجمالا إلى ما يسمى (الواقع الافتراضي) الذي من الممكن أن يتم فيه نسج قصة متكاملة الأركان دون أن يكون لها أي أساس واقعي، كما أن قوة هذه القصة تعتمد على كم المتابعات أو الإعجابات أو إعادة النشر التي يحظى بها صاحب الحساب دون النظر في محتوى القصة، وهل تحققت فعلا على أرض الواقع أم أنها لم تخرج من إطار العالم الافتراضي؟
وما يثير السخرية المحملة بالأسى أن تتبع غالبية الرسائل التي تحظى بكم كبير من التفاعل على هذه المواقع، تأتي من صفحات مجهولة الهوية، وغالبا ما يتضح أن وراءها أطرافا بمخططات ومشاريع تدميرية، يرغبون في تحقيقها، سواء كانت هذه المخططات تهدف إلى تحويل الثوابت إلى مادة للسخرية والاحتقار، أو التقليل من قيمة الاعتزاز بالهوية الوطنية، أو بث حالة من اليأس وانعدام الأمل خصوصا لدى فئة المراهقين، وما أدل على ذلك من الرسائل التي يكون وراءها المروجون للتنظيمات الإرهابية الساعون إلى ترسيخ قناعات بقوة هذه التنظيمات وعظمة قياداتها، وعدم قدرة الأنظمة على مجابهتها، أو على أقل تقدير صنع حالة من المظلومية للتبرير لممارسات هذه التنظيمات.
أما ثاني أسباب هذا التغول الذي يمارسه العالم الافتراضي هو تحول العديد من وسائل الإعلام خاصة القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية الإلكترونية، بل وبعض الصحف الورقية أيضا إلى مجرد تابع لهذا العالم الافتراضي، حيث تتحدد الخريطة البرامجية والسياسة التحريرية بناء على المواضيع الأكثر تداولا أو تلك التي حظيت بالكثير من الإعجابات وإعادة التغريد أو محاولة هذه الوسائل دخول مضمار المنافسة على الإعجابات بطرح مواضيع لا طائل منها سوى تحقيق معدلات من الانتشار لتمتلئ الساحة الإعلامية بعد ذلك بالنفي والتكذيب.
كما أن كثرة ما تسببه هذه المواقع من تشاحن يخلخل من لحمة المجتمع وترابطه عبر إذكاء حدة الخلافات والتركيز على مواضيع تفتح أبواب التفرقة والطائفية في المجتمعات يجعل من عبارة (مواقع التنافر الاجتماعي) هي الوصف الأدق لهذه المواقع.