سهيلة غلوم حسين
كاتبة كويتية
[email protected]
انستجرام suhaila.g.h
تويتر suhailagh1

رأس المال مصطلح اقتصادي يقصد في شقه الأول الرأس المخطط للمشروع، أما شقه الثاني فيتعلق بالأموال والمواد والأدوات اللازمة لإنشاء أي نشاط اقتصادي أو تجاري، ويكون الهدف من المشروع الربح أو الإعلام أو الأعمال الإنسانية.
أما مصطلح رأس المال اللامادي والذي ظهر في أواسط القرن الماضي فاشتمل على كل ما هو غير مادي وغير ملموس كالرأسمال الثقافي والبيئي والاجتماعي والبشري والطبيعي كموارد الطاقة، والموارد المعدنية, إضافة إلى الإحساس بالعدل والأمن والمواطنة وغير ذلك من مكونات أخرى لا مادية أو لا مرئية وتكون من مقومات الثروة اللامادية.
في الآونة الأخيرة بدأت المعايير المعتمدة دوليًّا تأخذ رأس المال اللامادي كمؤشر لقياس ثروة الأمم التي عرفت تطورًا على مستوى المفهوم والمضمون خصوصًا مع التطور التكنولوجي في العالم، فقد جرت العادة أن تقاس ثروة بلد ما بالناتج الداخلي وبمجموع الثروات المادية خلال السنة, لكن ومع العولمة الاقتصادية والتنمية المعرفية, أصبح مفهوم الرأسمال اللامادي يعد مفهومًا جديدًا ومكونًا أساسيًّا من مكونات التنمية ورافعة داعمة لها، ولهذا الشأن أهمية كبيرة في إعداد التوجهات التنموية في البلدان التي لا تملك موارد مادية. وعلى الرغم من ذلك ما زالت المجتمعات العربية ترتبط بالمادة أو السيولة في حساب الثروة.
إن هذا المفهوم الجديد لقياس ثروة الأمم والذي يشمل على ثلاثة مكونات أساسية هي: الرأسمال البشري والرأسمال الاجتماعي والرأسمال المؤسساتي, جاء لتجاوز النقص الواضح في الطرق التقليدية للقياس والتي تعتمد على الناتج الداخلي الخام.
تم تقدير الرأسمال اللامادي على أساس أنه قيمة الدول المتوافرة حاليًّا للمستقبل على مستوى الاستهلاك المستدام، وأصبح من بين مجموع العناصر الثلاثة المنتجة للثروة، المتمثلة في الرأسمال المنتج للقيمة الرأسمالية المخصصة للمباني والآلات والرصيد العقاري للمدن. وفي الرأسمال الطبيعي الخاص بالموارد الطبيعية والمعدنية، وغيرها, وكذلك في رأسمال الدول المتكون من صافي الأصول الأجنبية.
لجأت مجموعة من الاقتصادات الكبرى عالميًّا إلى إدراج الرأسمال اللامادي في احتساب الثروة، واهتم البنك الدولي (وهو إحدى أهم الوكالات الدولية التي تتبع للأمم المتحدة، التي تعنى بالتنمية بشكل رئيسي) بالرأسمال اللامادي في تقييمه لثروات الدول بسبب التوجه الدولي بتجاوز المفهوم التقليدي لقياس ثروات الدول المبني على العمليات المحاسباتية التقليدية، وأيضًا؛ لأن هناك ضرورة لاعتماد الرأسمال غير المالي لقياس الثروة، ولأن عند النظر إلى تطور ثروات بعض الدول، يبدو الرأسمال اللامادي مساهمًا في الثروة، ومتقدمًا بفارق كبير عن رأس المال المادي أو المنتج.
إن التنمية المستدامة بكل معانيها ومكوناتها، تستند في المقام الأول إلى تراكم الأصول غير المادية في شكل الرأسمال البشري والرأسمال الاجتماعي، والمؤسساتي وأهمية الرأسمال اللامادي، حيث إن المعترف به كمعيار، ومحفز للتنمية المستدامة للبلدان، يشكل عنصرًا لتقييم مستوى ونوعية حياة الشعوب.
إن تكوين الرأسمال البشري والاجتماعي يعتمد إلى حد كبير على نوعية المؤسسات، ويبدو أن التحدي الأكبر للتنمية سيكون هو مدى تحقيق التحسن العام في خدمات مؤسسات الدولة.
ينبغي للدول أن تركز على العمل لتكوين الرأسمال اللامادي، والاعتماد عليه ضمن المعايير الرئيسية لقياس ثروة الدول وتصنيفها, وأن يحظى ذلك العمل بالأولوية من أجل تحقيق مستوى تنموي جيد للتطور والتقدم، وتحديد آليات استغلال الرصيد اللامادي في خدمة المجتمع.