قراءة علمية معرفية في الذكرى الـ (35) لإبحار السفينة صحار من ولاية صور إلى مدينة كانتون الصينيةمسقط ـ الوطن:"السفينة صُحار دلالات واستشراف" ... ندوة علمية تاريخية أقامتها وزارة التراث والثقافة يومي 6 ـ 7 من ديسمبر الجاري بجامع السلطان قابوس الأكبر بمحافظة مسقط، تحت رعاية صاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد وزير التراث والثقافة، بمناسبة إحياء الذكرى (35) لإبحار السفينة صحار من ولاية صور إلى مدينة كانتون الصينية، بمشاركة نخبة من الباحثين والمتخصصين من السلطنة والصين وإيرلندا واستراليا، وذلك في إطار سعي السلطنة إلى تعزيز العلاقات التاريخية مع جمهورية الصين الشعبية.تواصل معرفي وثقافيفي هذا الإطار قال صاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد وزير التراث والثقافة كلمة له: تعتز الأمم بمنجزاتها العظيمة عبر التاريخ لاسيما تلك التي تعد مراحل فاصلة تؤسس لتواصل معرفي وثقافي واقتصادي بين الأمم والشعوب، رحلة سفينة صحار التي انطلقت من سواحل عمان قبل مايزيد عن خمسة قرون لتصل الى ميناء كانتون في الصين كانت واحدة من هذا النوع من المنجزات، إذ قطعت السفينة التقليدية المحلية الصنع ما يقارب الستة آلاف ميل معتمدة على خبرة وهمة عالية لبحارتها العمانيين ومدفوعة برغبة طموحة من تجار عمان في الولوج عبر البحار بحثا عن مراكز تجارية نشطة يكون لهم فيها قصب السبق. وأضاف سموّه: عمان الحديثة وهي تخوض مسيرة البناء والنماء درجت على أن تستثمر خبرات الماضي وتستلهم منه آيات المجد وبواعث الفخر ومناهل السؤدد. في هذا السياق كانت التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم عام 1980 م، ببناء سفينة مشابهة للسفينة صحار ولتخوض في عباب البحر بنفس ظروف وأجواء مسارها التاريخي، فكانت الرحلة، وكان التسجيل والتوثيق والنجاح صيتها، والتوفيق في مهمتها وأهدافها ما جعل منها نموذجا جديرا بالاحتفاء به بعد مرور خمسة وثلاثين عاما، خصوصا عندما يأتي هذا الإحتفاء من خلال ندوة تستجلي مجريات الرحلة وتحدياتها وبحضور ربانها تيم سيفرين.علاقات تاريخيةالندوة تهدف إلى إبراز تطور العلاقات التاريخية بين السلطنة والصين في المجالات الثقافية والاقتصادية، بالإضافة إلى إبراز إسهامات البحارة والتجار العُمانيين في توطيد العلاقات بين عُمان والصين في العصور الإسلامية، وشارك في هذه الندوة عدد من الجهات والهيئات الحكومية، وجامعة السلطان قابوس، جامعة نزوى، كلية العلوم التطبيقية في بالرستاق، البحرية السلطانية العُمانية، وهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، ومركز السلطان قابوس للثقافة والعلوم. بالإضافة إلى جمعية الكتاب والأدباء، النادي الثقافي، والمنتدى الأدبي. بالإضافة الى المختصين والأكاديميين والمهتمين في التاريخ البحري والملاحي للسلطنة.آفاق مستقبليةسعادة حسن بن محمد اللواتي رئيس لجنة الإعداد والتحضير للندوة أشار في كلمة بهذه المناسبة: لم تكن رحلة السفينة صحار التي أبحرت يوم 23 نوفمبر 1980م من شواطئ السلطنة لتقطع 6000 ميل بحري، وتصل إلى مدينة كانتون (جوانزو) الصينية يوم 10 يوليو 1981م مرورا بموانئ الهند – سيرلانكا – أندونيسيا وماليزيا، تهدف إلى إعادة الحياة لعلاقة تاريخية عابرة بين السلطنة والصين، بقدر ما كانت رؤية ثاقبة من لدن مقام حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ، للتأكيد على تميز وثراء العلاقات التاريخية بين البلدين والتي تعود لأكثر من 1500 عام على الرغم من المسافة الجغرافية ولتبقى العلاقات الودية مستمرة طوال التاريخ . لقد أضحى اسم "صحار" مرآة عاكسة لعلاقات تاريخية بين البلدين باعتبار أنها أول مدينة في الجزيرة العربية تقيم علاقات مع الصين، بلغت كثافتها ما بين القرون الميلادية السابع والتاسع، مضيفا: لقد احتفلت الوزارة في غير مناسبة بذكرى مرور سنوات وعقود على هذه الرحلة، فأقامت احتفالية كبيرة عام 1991في الصين، ثم عام 2001م في مسقط واليوم فإن حرصها على إقامة هذة الندوة العلمية بذكرى مرور 35 عاما على الرحلة لا تقتصر على إبراز العلاقات التاريخية المتميزة بين البلدين، بل أنها تتناول في محاورها وأوراق عملها آفاق ومستقبل هذه العلاقات بشقيها الثقافي والاقتصادي.أهداف الندوةفي هذه الندوة تم عرض فيلم وثائقي موجز عن رحلة "السفينة صُحار" التي أبحرت خلال عامي (1980-1981م)، واستُلهم بناؤها من مغامرات السندباد وسفن العصور الوسطى، حيث أشرفت حكومة السلطنة على تنظيم وتسيير هذه الرحلة بالرعاية المباشرة من صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه ـ ، حيث تم بناء السفينة "صحار" النسخة المماثلة لسفن القرن التاسع الميلادي العربية التي يبلغ طولها 87 قدما أي ما يقارب (26.5 متر) وذلك خلال سبعة أشهر من ألواح خشبية ضمت مع بعضها البعض بواسطة حبال ملفوفة تتكون من قشر جوز الهند التي بلغ طولها حوالي 400 ميل أي ما يقارب (640 كم). وانطلقت السفينة "صحار" في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح الثالث والعشرين من نوفمبر 1980، وعلى ظهرها عشرون بحارا معظمهم من العُمانيين تحت قيادة المغامر الايرلندي تيم سيفرن، وواصلت السفينة "صحار" إبحارها وتغلب من في السفينة على كل الصعوبات التي يعجز وصفها وهى تواصل تحديها للمستحيل الذي اضطر أن ينحني أمام عبقرية الإنسان العُماني الذي لا يعرف المستحيل، وعند وصول السفينة إلى ميناء قوانغتشو الصينية بعد إن قطعت 6000 ميل بحري في مركب بدون محرك لقيت السفينة ترحيبا حارا من قبل الشعب الصيني، وأقيمت مراسم ترحيب رسمية في يوم 11 يوليو عام 1981 . وبقيت السفينة "صحار" بعض أيام في قوانغتشو، ثم أبحرت إلى هونغ كونغ ومن هناك نُقلت إلى مسقط حيث وُضعت في مكان قريب من فندق البستان. أبحرت السفينة دون استخدام وسائل المساعدة الحديثة في الإبحار، وقد استغرقت رحلتها عاما كاملا. وقد انتهت مهمة سفينة (صحار) كسفينة بمجرد انتهاء الرحلة ولكن مهمتها كسفيرة ورمز للصداقة لم تنته، وستظل تؤدى دورها.كما تم إقامة معرض توثيقي لصور الرحلة التاريخية من عمان إلى الصين الشعبية.الجدير بالذكر انه أقيم نصب تذكاري للسفينة (صحار) في قوانغتشو بتبرع من جلالة السلطان قابوس المعظم وفى يوم 1 أكتوبر عام 2001 وبمناسبة الذكرى ال 52 للعيد الوطني الصيني أهدى جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم نموذجا للسفينة (صحار) إلى رئيس جمهورية الصين الشعبية جيانغ تسه مين، ويمكن القول إن سفينة (صحار) هي بمثابة التقدير العالي من جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ للتبادلات التاريخية بين الصين والسلطنة وتطلعاته لآفاق مستقبلية للعلاقات الحديثة بين البلدين.منصة طرق الحرير الرقميةرحمة بنت قاسم الفارسية ممثلة السلطنة في الشبكة الدولية لليونسكو لمنصة طرق الحرير الرقمية على الانترنت، تعريفا بالشبكة الدولية حيث تم استعراض المنصة الرقمية على الانترنت، بالإضافة إلى تقديم شرح عن المواضيع التي تهتم بها هذه الشبكة. كما تطرقت في الحديث حول طرق الحرير لكونها جسراً بين الحضارات وساهمت على مدار آلاف السنين في تلاقي الشعوب والثقافات من شتى مناطق العالم، مما أتاح تبادل البضائع وحدوث تفاعل بين الأفكار والثقافات أسهم في رسم ملامح عالم اليوم، وفي ضوء هذا الإرث، كما يسعى برنامج الإنترنت المعني بطرق الحرير إلى إحياء هذه الشبكات التاريخية وعرضها ضمن حيز رقمي يتلاقى فيه مختلف الأشخاص ويتشاركون في حوار مستمر، يُعنى بطرق الحرير بهدف التوصل إلى فهم مشترك للثقافات المتنوعة، والمترابطة في كثير من الأحيان والتي نشأت في محيط طرق الحرير. كما تطرقت إلى أنه قد تم إعداد وتنفيذ « منصة طرق الحرير الرقمية على الانترنت» الذي يشرف عليه قسم التاريخ والذاكرة ( للحوار) في اليونسكو بدعم من: السلطنة ،وجمهورية أذربيجان، وجمهورية ألمانيا الاتحادية، وجمهورية كازاخستان، بالإضافة إلى مجموعة استثمارات الصناعة الثقافية لسوق غرب تانغ. كما أشارت إلى أن وزارة التراث والثقافة تمثل السلطنة في الشبكة الدولية لمنصة طرق الحرير على الانترنت (online) منذ عام 2015م، وشاركت الوزارة في المؤتمر الأول في مدينة شيان بجمهورية الصين الشعبية في مايو 2015م، والمؤتمر الثاني في مدينة فالنسيا بجمهورية اسبانيا يونيو 2016م حيث انتخبت السلطنة بالإجماع في إعلان فالنسيا في 12 يونيو 2016م لتكون أحد نواب رئيس الشبكة الدولية لليونسكو للمنصة الرقمية لطرق الحرير على الانترنت (online). وفي شهر أكتوبر شاركت السلطنة ممثلة في الوزارة في المؤتمر الدولي لطرق الحرير، بمدينة مشهد بالجمهورية الإسلامية الإيرانية – جامعة فردوسي. وأقيم على هامش الندوة معرض الصور الفوتوغرافية الذي يحكي تفاصيل هذه الرحلة التاريخية. وتناولت أوراق العمل التي ألقيت عددا من المحاور أهمها العلاقات العُمانية الصينية عبر التاريخ، إضافة إلى قراءة في بدايات العلاقات العُمانية الصينية وفترات ازدهارها، كما تناولت أوراق العمل الرحلات البحرية والبحارة العُمانيين (رحلة التاجر العُماني أبو عبيدة عبدالله بن القاسم).محاور الندوةالندوة تضمنت عددا من المحاور وهي محور العلاقات العُمانية الصينية عبر التاريخ، ومحور رحلة السفينة صحار (1980-1981م) الحوليات، ومحور آفاق العلاقات العُمانية الصينية عبر التاريخ.في قراءة حول آفاق العلاقات الاقتصادية العمانية الصينية قدمها الدكتور عامر بن عوض الرواس العضو في جمعية الصداقة العمانية الصينية أشار فيها إلى أن علاقة التجارة الصينية العمانية تطورت بسرعة في السنوات الأحيرة، فقد أصبحت السلطنة رابع أكبر شريك اقتصادي عربي للصين، بلغ إجمالي حجم الاستشارات الصينية في السلطنة حتىنهاية 2015م أكثر من ملياري دولار في حين بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين زهاء 17,2 مليار دولار في نهاية العام نفسه ، حيث وقعت سلطنة عمان والصين اتفاقية انشاء مدينة صناعية تقدر استثماراتها بزهاء عشرة مليارات دولار وذلك خلال حفل اقيم الاثنين 23 مايو 2016 م في السلطنة . ويمنح الاتفاق الجانب الصيني حق الانتفاع والتطوير لانشاء المدينة الصناعية المشتركة في منطقة الدقم الساحلية جنوب مسقط وتقدر الاستثمارات فيها بنحو 10,7 مليارات دولار حتى سنة 2022م ، وذلك بحسب يبان صحافي وزع على هامش حفل التوقيع. إن توقيع الاتفاقية جاء تتويجا لجهود حثيثة استمرت على مدى عام من الزمن، بدأت بزيارة رسمية لوفد عماني حكومي وممثلين عن القطاع الخاص إلى مدينة ينشوان عاصمة نينجشيا في مايو 2015م ،وصولا إلى يومنا هذا الذي يشهد توقيع الاتفاقية بين هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم وشركة وانفانج الصينية والتي تضع إطارا تعاقديا من أجل تنفيذ برنامج استثماري صيني واسع ومتعدد القطاعات في الدقم.الدكتور بدر بن هلال بن خليفة العلوي ضمن المتحدثين في الندوة وتطرق إلى بدايات العلاقات العمانية الصينية وفترات ازدهارها واشار إلى بداية العلاقات العُمانية الصينية ترجع إلى ما قبل الميلاد وذلك من خلال المصادر الصينية التي ذكرت عُمان في فترة أسرة هان الغربية 206 ق.م. 225 -م. ووصول السفن العمانية إلى الموانئ الصينية مثل السفينة صحار، ومن خلال الاثار المكتشفة في منطقة صحار من قبل البعثات الاثرية تم العثور على قطع خزفية صينية تعود إلى الفترة الساسانية وهذه الاواني الخزفية تم استيرادها من الصين عن طريق التجار العُمانيين. وفي الفترة الإسلامية زادت الحركة التجارية بين الموانئ العمانية والصينية خاصة في أسرة تانغ ( 608 –907 م ) وتذكر المصادر الإسلامية أسماء البحارة والتجار العمانيين الذين وصلوا إلى الصين ومن أشهرهم البحار والتاجر العُماني أبو عبيدة عبدالله بن القاسم الذي زار كانتون في الصين عام 752 م. وهو أول بحار عماني عربي يصل إلى الصين. واستمرت العلاقات بين عُمان والصين حيث بلغت فترة ازدهارها في عهد (أسرة مينغ ) 1368 - 1644 م.الدكتور ليو شين لو من كلية الدراسات العربية بجامعة الدراسات الأجنبية ببكين، قدم دراسة خلال هذه الندوة جاءت كمقارنة بين الاستكشافات البحرية الثلاثة في القرن الـ١٥ وأشار إلى أن القرن الـ 15 يعتبر من أعظم وأهم العصور في تاريخ الاستكشاف البحري في العالم، حيث قام تشنغ خه الصيني وكولومبوس الإيطالي وفاسكو دا جاما البرتغالي باستكشافاتهم على التوالي في هذه الفترة. حقا إنها جميعا ساهمت مساهمة بالغة في تعزيز التواصل والتبادل بين الأمم المختلفة انطلاقا من البعد التاريخي، ولكن توجد إختلافات كثيرة بينها أيضا سواء من حيث الوقت والتقنية أو من حيث الهدف والوسيلة. يظهر التاريخ لنا أن تشنغ خه كان لا يريد الغزو والاستعمار خلال رحلاته، بل يسعى إلى بناء العلاقة المنسجمة الطويلة المدى مع البلدان المختلفة ويدعو إلى تحقيق التسامح والتفاهم واحترام التنوع بينها. قد دلت على ذلك بشكل جيد العلاقة الصينية العربية القديمة بشكل عام والعلاقة الصينية العمانية القديمة بشكل خاص، قد مرت أكثر من ٦٠٠ سنة على رحلات تشنغ خه، ولكن ما زلنا نحتاج إلى إحياء روحه لبناء طريق الحرير الجديد والعلاقة الدولية الحديثة في القرن الـ ٢١.