اتفقت كافة التقارير التنموية التي صدرت ما بعد الألفية على أهمية دور التعليم العالي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، حيث أكد العلماء باختلاف تخصصاتهم أن التعليم العالي مهم لبناء قاعدة بشرية قوية، وأنه قوة دفع أساسية للإبداع والبحث والتنمية الاقتصادية، وخرج العديد من الدراسات يؤكد أن تحقيق أهداف التنمية الاثني عشر يحتاج إلى مساهمة من أنظمة التعليم العالي لبناء الكفاءات البشرية والبحثية والمؤسسية المهمة لتحقيق هذه الأهداف الجديدة واستدامتها. وأجمع العلماء والباحثون على أن التمويل والتسهيلات ليست كافية، فنحن بحاجة إلى الخبرة للتخطيط والتطبيق ومراقبة البرامج لتحقيق هذه الأهداف الجديدة. وينبغي أن تكون هذه الخبرة محلية منسجمة مع السياق المحلي وملتزمة بحاجات المجتمع المحلي وطموحاته، فالموارد الطبيعية ورأس المال والأيدي العاملة عوامل ليست كافية لتنمية أي اقتصاد في أي دولة ما؛ إذ ينبغي توافر كم كبير من القدرات المهارية البشرية لتستغل كوقود في إحداث عملية التنمية المستدامة.
ومن هذا المنطلق فإن حتمية تطوير التعليم العالي، لا ينبغي أن يخضع إلى الأوضاع الاقتصادية الوقتية؛ لذا فقد أولى المجلس الأعلى للتخطيط أهمية خاصة بديمومة التطوير، وأقر آلية لاعتماد المشاريع الجديدة، بالإضافة إلى المرحلة من الخطة الخمسية الثامنة، إلى جانب الإبقاء على أعداد المقاعد الدراسية الحكومية والبعثات الداخلية والخارجية لخريجي دبلوم التعليم العام، وذلك إدراكًا لما يمثله التعليم العالي في الدفع نحو النمو الاقتصادي المنشود، وقدرته على توطين اقتصاد قائم على المعرفة؛ لذا كانت الأولوية وفقًا لما أعلنته معالي الدكتورة راوية بنت سعود البوسعيدية وزيرة التعليم العالي نحو رفع الالتحاق بالتعليم العالي، وضمان الجودة والاعتماد في مؤسسات التعليم العالي، بالإضافة إلى تطوير البيئة الأكاديمية والإدارية بالوزارة وبمؤسسات التعليم العالي، والمواءمة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل، وكذلك تعزيز الخدمات الإلكترونية وخدمة المجتمع، حيث تم زيادة معدل الالتحاق بالتعليم العالي في الفئة العمرية (18 ـ 22)، إلى حوالي (6,54%.
حيث شهد قطاع التعليم العالي نموًّا منذ انطلاقته من حيث عدد مؤسساته، وأعداد الطلبة المقيدين فيه، وتنوع البرامج الأكاديمية المطروحة، حيث بلغ عدد الطلبة المقيدين فيها (65792) طالبًا وطالبة في العام الأكاديمي (2014/2015م) مشكلًا ما نسبته (5,51%) من إجمالي الطلبة المقيدين بمؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة داخل السلطنة، كما تقدم 14 مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي الخاصة برامج مختلفة في الدراسات العليا لدرجة الماجستير، إذ بلغ عدد الطلبة المقيدين في تلك البرامج (2558) طالبًا وطالبة في العام الأكاديمي (2014/2015م)، وبلغ عدد الأكاديميين بالمؤسسات التعليمية الخاصة (2588) أكاديميًّا وبنسبة تعمين بلغت (19%)، وشكل الأكاديميون من حملة الدكتوراه ما نسبته (32%)، بينما حملة الماجستير يمثلون (50%) من إجمالي الأكاديميين في العام الأكاديمي 2014/2015 م.
إنها أرقام تشير إلى اهتمام السلطنة بالتعليم العالي، والذي يظهر جليًّا في تخصيص (390) بعثة خارجية في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة في تخصص الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء واللغة الإنجليزية في العام الأكاديمي (2015/2016م)، و(100) بعثة خارجية في العام الأكاديمي (2016/2017م)، بالإضافة إلى المساهمة الجلية لكليات العلوم التطبيقية في نشاط البحث العلمي من خلال الأبحاث التي تنفذها أعضاء الهيئة الأكاديمية والطلبة، حيث بلغ عدد البحوث العلمية المنشورة في الدوريات العلمية المحكمة (433) بحثًا علميًّا خلال الأعوام (2010/2014م)، كما تصدر كليات العلوم التطبيقية المجلة العمانية للعلوم التطبيقية وهي مجلة دورية سنوية محكمة تعنى بالبحوث والدراسات الأكاديمية والعلمية.
إن كل ذلك يصب في أن متخذي القرار يدركون أن الاستثمار في التعليم العالي والبحث العلمي يعتبران من الضرورة بمكان, فلكي تستفيد من التقدم في كافة مجالات العلوم وفي أي مكان في العالم، ومن تقنية الإنتاج الجديد التي هي وليدة هذا التقدم, فإن هناك حاجة ماسة لتوفير كوادر من العلماء والفنيين المتخصصين, ولا شك أنها وظيفة رئيسية أن يقوم التعليم العالي بتخريج كادر بشري كفؤ وعلماء متخصصين وفنيين مهرة يسعون في تحقيق الإضافة المطلوبة، ويبقى على القطاع الخاص أن يأخذ زمام المبادرة نحو الاستثمار في هذا المجال، وأن يضطلع بالدور المأمول منه للارتقاء بِمستوى الأداء في شتى ميادين المَعارف العلمية منها والإنسانية، والالتزام بالمعايير لفتح مؤسسات التعليم العالي الخاصة واشتراطات الارتباط والتعاون الأكاديمي مع مؤسسات تعليمية خارجية لإكسابها مزيدًا من الخبرة والكفاءة.