عجباً لأمر بعض المؤسسات في هذا البلد، لا تحرّك ساكناً الا بعد نكد، ربما لأنها لا تعي جيداً معنى المسؤولية التي نعرفها في هذا الصدد بأنها استعداداً تاماً للنهوض بأمر المواطن وتنفيذا للأعباء الموكلة اليهم بجميع ما أوتوا من قدرات وامكانات مادية أو معنوية، وليس كذلك فحسب بل لن تعيرك بعض المؤسسات آذانا صغواء حتى تترددّ اليها بين الحين والآخر، مطالبين ومناشدين بكيت وكيت من خدمات للقطاع العام من السكان، أليست المسؤولية مشتركة بين المؤسسة والمواطن. فحين نتحدث عن دور المؤسسات في الشراكة مع القطاعات الأهلية والمجتمع يعني أننا يجب أن نولي تلك الشراكات قدرا مستحقا من التنفيذ الواقعي الذي يعود بالنفع الى المواطن والمقيم أيا كان. كما يعني عدم السكوت عن التقصير والاهمال الذي ينعكس مباشرة على الجانب التنموي في ما إذا ظهر من أي جهة كانت.
هنا في هذا البلد يعرف المواطن جيداّ كيف يدير رحى التعاون فيما بين أفراده. فهم يمارسون القيم ومبادئه، ويعرّفون الآخرين بأنهم موطن التعاون والسلام وصنع القيم وممارسته في ربوع هذا البلد الذي صنع تاريخا تليدا باق الى يوم الدين، بيد أن الطرح في هذا النص يشكل جزاء لا يتجزأ مما نحن بصدد ذكره الان حين قدم المواطنون دروسا وعبرا في باب التعاون والتكاتف سواء في الأنواء المناخية او في غير ذلك من الاتراح والأفراح. نضرب مثالاً على ذلك في إحدى قرى ولاية الرستاق بمحافظة جنوب الباطنة.
بالأمس القريب واجهت البلاد أنواء مناخية هطلت على أثرها الامطار وسالت الشعاب والوديان فتضرر من تضرر واستفاد من استفاد وانشرحت صدور وغمت صدور بسبب ما وقع من أضرار ووفيات وانسداد للطرق الأساسية في بعض الولايات فانعكس ذلك على حال مواطنيها الذين ظلوا قابعين في انتظار رحمة الشركات الموكل اليها عملية ترميم وصيانة تلك الطرق بيد أنّ الأخيرة لم تحرّك ساكناً ولم تدرك مأزق الأهالي وخطورة مواضعهم رغم أنهم مسؤولون عن صيانة الطرقات مسؤوليّة مباشرة. وهم ربما يدركون تمام الادراك بأن المسؤولية هي الاستعداد التام للنهوض بالأعباء الموكلة إليهم بأقصى قدراتهم.
حينما يُصيّر المواطن في مطبات وعثرات تجبره على التحرّك الفوريّ لطلب الغوث من القطاعات الكبرى المعنيّة بشأن الطرق والمواصلات، ولا يجد آذانا صغواء من تلك المؤسسات تقف الى جانبه يضطر لأن يحرك دواخله وسواكنه مجبراً لا بطلا ذلك ما حدث في إحدى القرى التابعة لولاية الرستاق التي جرف منها السيل ما جرف وغير مجاريها ومداخلها فباتت وعرة لا يطاق المشي فيها أو السير عبر المركبات فأقدموا الى المعنيين بالنقل ينبؤنهم بشأن مصابهم من السيل حين تعطلت شوارعهم من قرية (ملي) إلى الحوقين بعد أن صدت عنهم الشركة الموكلة بأعمال الصيانة ولم تعرهم أدنى اهتمام في حين انها معقود بناصيتها اتفاقية سنوية لصيانة الشوارع والطرقات لهذه المنطقة فمن المسؤول عن مثل هذا الخلل؟
لقد شمر آهالي المدينة بوادي بني هني عن سواعد الجد وهم كذلك كدأبهم يقفون صفا مرتصاً ضد اي كارثة تلم بهم بعد أن غمرتهم المياه وأفسدت شوارعهم وطرقهم الترابية والمسفلته فعزموا بعد أن أغلقت الابواب في وجوههم على استئجار معدات كبيرة لإصلاح أعطاب طرقاتهم فوقفوا وقفة رجل واحد وأزاحوا ستار الشوارع وعزموا على ايجاد المخارج الحقيقية والمداخل المستمرة للبلد ولم يجدوا مداً او دعماّ من الجهات المسؤولة رغم تقدمهم الى دائرة الطرق بمحافظتهم التي لم تتخذ أيّ إجراء رادع وصارم وقانونيّ ضدّ إهمال الشركة المؤتمنة في حق المواطن فهل يقتصر أن تستقطع الوزارة المعنية منها أجرة يوم واحد؟
تسعة كيلو مترات طول المسافة المقدرة من قرية المدينة إلى الحوقين ليست بالأمر الهين حين يهبّ المواطنون لإنقاذ طرقهم وكأنّ الأمر يعنيهم لوحدهم رغم أن الحكومة اولت الاهتمام بمثل هذه الطرق الترابية في عملية رصفها وتهيئتها للمارة، بيد أنٍّ الأمر مناف جدا للواقع الذي يعيشه المواطن هنالك فمكاتب الولاة والمحافظين هنالك تلقوا الشكوى المختصة من أهالي المدينة إلا أنه تعذّر منهم فعل شيء وذلك حسب أقوالهم بأنهم تعبوا من مماطلات الشركة الموكل إليها أعمال هذه الطرق من عدم استجابة لهم ولا لمطالب الأهالي لذلك.
الكرة الآن في ملعب وزارة النقل والاتصالات، فأهالي ولاية الرستاق تحديداً قرية المدينة يناشدون الجهات المسؤولة والمعنية بأمر الطرق استبدال الشركة بشركة أخرى او البحث عن مخارج اخرى تريحهم من عناء سيلان الأودية وانقطاع طرقهم وحتى لا يتعرضون لمآزق أخرى يطالبون بالتحرّك الفوريّ من الجهات المختصّة بذلك وكما يقال: "بأن الوقاية خير من العلاج " .
إنّ الالتزام في أداء المهام على أكمل وجه هو جوهر المسؤولية المناطة بالموظفين والمسؤولين في مؤسساتهم، بمقتضاها يحاسب المرء على أداءه لالتزاماته المكلف بها وهي كذلك ميزة بيّنة تجمع الناجحين في أعمالهم وتبرز تمكنهم وقدرتهم على تحمل مشاق المسؤوليات خصوصاً إن صبّ ذلك في إطار الصالح العام للمواطنين فلندرك تماما أنه من السهل جداً أن نتفادى أو نتخلى عن جزء من مسؤولياتنا، ولكن من الصعب جداً أن نتفادى النتائج المترتبة على ذلك التخلي عنها وفي ذلك فليتذكر أولي الألباب.

خلفان بن محمد المبسلي
[email protected]