برلين ـ "الوطن":
أجمع الخبراء الألمان على أن الاستهلاك المتنامي في ألمانيا والاستثمارات الجارية فيه أصبحا المحرك الرئيس للاقتصاد الألماني ونموه وجعلا قطاع الصادرات في المرتبة الثانية. وقال الخبراء: إن التفاؤل باستمرار الانتعاش الاقتصادي في ألمانيا هو الذي يدفع الألمان إلى المزيد من الشراء والاستهلاك على خلفية اطمئنانهم إلى أن عملهم مضمون، وكذلك حصولهم على زيادات سنوية على الأجور، الأمر الذي يعزز القدرة على الشراء.
وفي هذا الإطار حصل موظفو القطاع العام في شهر مارس الماضي، إثر مظاهرات واضرابات نفذتها نقابتهم، على زيادة 3% على الأجور لهذه السنة، وزيادة 2,4% للعام 2015 المقبل، وأظهر استطلاع أجرته أخيراً مؤسسة بحوث الاستهلاك الألمانية أن غالبية المستهلكين الألمان لا تزال على استعداد كبير لشراء الحاجيات الكبيرة أو السفر للسياحة، ولو أن قسماً منهم يميل حالياً إلى المزيد من التوفير، وقالت: إن مؤشر الاستهلاك لا يزال يسجل للشهر الثاني على التوالي 8,50 نقطة محتلاً أعلى موقع له منذ سبع سنين.
وتوقعت ثمانية معاهد ألمانية في "تقرير الربيع" السنوي الصادر عنها مطلع شهر أبريل الجاري أن يحقق الناتج القومي السنوي الألماني في نهاية السنة الجارية وفي عام 2015 معدل نمو اقتصادي مستقر وقوي من 1,9 و2% على التوالي رغم انتقادها بشدة القرارات الاجتماعية التي اتخذتها الحكومة بعد أن رأت أنها ستنعكس سلباً على اقتصاد ألمانيا، ولم تمض أيام قليلة حتى أعلنت الحكومة الألمانية أنها تنتظر بدورها نمواً قوياً متوقعة نمواً من 1,8% للعام الحالي و 2% للعام المقبل.
وقال وزير الاقتصاد والطاقة الألماني سيجمار جابرييل: إن ألمانيا "تسير على طريق انتعاش قوي وتقف على عتبة سنتين جيدتين".. مشيراً إلى أن الضمانة للنمو هي استثمارات الشركات الألمانية لتوسيع أعمالها في الداخل والخارج. وتوقع الوزير ارتفاع عدد وظائف العمل بمقدار ربع مليون وظيفة هذه السنة و120 ألفاً عام 2015.
وكان خبراء "مجلس حكماء الاقتصاد" المُعيّنين من جانب الحكومة الألمانية لتقديم المشورة الاقتصادية لها توقعوا بدورهم في تقرير أخير تحقيق نمو سنوي مماثل لما عرضه "تقرير الربيع" علماً أن معدل النمو الذي حققته ألمانيا العام الفائت بلغ 0,4% فقط.
لكن بعض المعاهد الأخرى، مثل معهد بحوث الاقتصاد الكبير IMK في دوسلدورف توقع أن لا تتعدى نسبة النمو المنتظرة في ألمانيا هذا العام الـ1,6%، وأضاف: أنه ينتظر في المقابل نمواً من 2,4% العام القادم متجاوزاً بذلك بشكل ملموس تقديرات الآخرين. وقال غوستاف هورن مدير إحدى المعاهد التابعة من الاتحاد العام للنقابات العمالية "إن لألمانيا فرصاً جيدة لتحقيق انتعاش متوازن تستفيد منه مختلف فئات الشعب"، وبعد أن ذكر أن الشركات الألمانية المتميزة بقدرة تنافسية عالية في الأسواق الدولية تستفيد حالياً من عودة الانتعاش إلى الاقتصاد العالمي لتزيد من صادراتها إلى الخارج، لفت أيضاً إلى أن الاستهلاك المتزايد للألمان أدى إلى زيادة في الاستيراد، الأمر الذي سيخفف بعض الشيء من اللاتوازن الحاصل في الفائض التجاري الألماني السنوي مع الدول الأوروبية والشريكة، أما معهد البحوث الاقتصادية DIW في برلين فتوقع أن يحقق الاقتصاد الألماني في الربع الأول من السنة الحالية نمواً جيداً من 0,5% مقارنة بالربع الأخير من السنة الماضية.
وفي هذا الأجواء توقع خبراء البنك المركزي الألماني في تقريرهم الصادر أواخر شهر مارس الماضي أن يسجل الاقتصاد الألماني في الربع الأول "نمواً قوياً"، وشدد التقرير الصادر عنهم أن خلفية التوقعات هذه هي اعتدال فصل الشتاء هذه السنة الذي سمح بمواصلة أعمال البناء في العراء، وتدفق الطلب على الصناعة الألمانية، وتفاؤل أرباب العمل في ما يخص تطور أشغالهم، وعقّب رئيس البنك المركزي الألماني على الأمر بالقول إنه ينتظر استمرار النمو هذه السنة والسنة المقبلة أيضاً.

موازنة ألمانية خالية من أية ديون
بعد محاولات عديدة قام بها 12 من وزراء المال الألمان خلال العقود الأربعة الماضية لتحقيق موازنة مالية سنوية لألمانيا خالية من الديون أقرت الحكومة الألمانية أخيراً مشروع موازنة العام المقبل 2015 الخالية من الديون التي قدمها وزير المال الألماني وإذا تحقق ذلك سيدخل اسم شويبله التاريخ المالي الألماني، وسيكون الشخص الثاني في تاريخ ألمانيا الحديث الذي يتمكن من تحقيق ذلك بعد وزير المال فرانز جوزيف عام 1969، وكانت الحكومة الألمانية الائتلافية وعدت بتنفيذ هذا الأمر خلال فترة حكمها الحالي. وقال شويبله في البرلمان: إن موازنة العام الجاري ستتضمن ديناً ضئيلاً مقداره 6,5 مليار يورو، هو الأصغر في تاريخ ألمانيا.
وشدد وزير المال في كلمته أمام النواب "على أن ن قرار الحكومة ناجز ويؤسس لمرحلة جديدة"، مضيفاً "أننا لن نصرف أكثر مما نُدخّل"، وأعلن أن حكومته ستعمل في الوقت ذاته على خفض معدل الدين العام على ألمانيا من 78% من مجمل الناتج القومي السنوي حالياً إلى 60% في السنين العشر المقبلة التزاماً بما تنص عليه معاهدة ماستريشت المالية الأوروبية، ورغم تأييد الخبراء وممثلي المعارضة السياسية في البرلمان وخارجه وترحيبهم بمسعى الحكومة وأهدافها المالية الطموحة، إلا أنهم تساءلوا عن كيفية تحقيق هذا الهدف، خاصة وانهم لاحظوا أن وزير المال لم يُقدّم سياسات تقشّفية في السنوات الماضية، بل استفاد من الانتعاش المستمر في الاقتصاد وفي سوق العمل في ألمانيا، ومن تدفق الرسوم والضرائب على خزائن الدولة، إضافة إلى انخفاض الفوائد على ديونها، واتهمت المعارضة شويبله بالتضييق المالي على الصناديق الاجتماعية وصناديق الضمان الصحي من خلال خفض المنح المالية المخصصة لها.
وبغض النظر عن الاتهامات السياسية التي توجهها المعارضة النيابية ينتقد خبراء الاقتصاد، ومنهم إحدى خبراء معهد DIW، وزير المال على قيامه "باغلاق بعض مجالات الدعم الحكومي التي كانت قد أُقرّت سابقاً"، وإذا كان صحيحاً أن جزءاً من الدعم المسحوب والمقدر بـ 23 مليار يورو سيحوَّل إلى مجالس البلديات المحتاجة لدعمها من أجل تحسين البنى التحتية في ألمانيا، فأن انتقاد الخبراء يركز على أن وزير المال لم يخصص سوى القليل من المال للقطاعات الأساسية وخاصة قطاع التعليم المدرسي والجامعي ورياض الأطفال، ويشير هؤلاء إلى أن ألمانيا تخصص فقط نسبة 5,3% من الموازنة العامة وهي نسبة أقل مما أوصت به المنظمة الأوروبية للتعاون والتنمية OECD في عام 2010 (والبالغة 6,3%). وفي ما يتعلق بتأهيل البنى التحتية المتقادمة في ألمانيا يعتقد معظم الخبراء أن هذه البنى تحتاج إلى أكثر من الخمسة مليارات يورو التي خصصتها الحكومة في موازناتها العامة حتى عام 2017، وهم يرون أن تأهيل البنى التحتية لوحدها يتطلب إضافة ستة مليارات يورو سنوياً على ما اعتمدته الحكومة.
على ضوء اتفاق الحكومة الألمانية على عدة قرارات اجتماعية تتعلق بتحديد حدّ أدنى للأجور من 8,50 يورو للساعة الواحدة ابتداء من مطلع 2015، والسماح لكل من اشتغل مدة 45 سنة دون انقطاع بالحصول على معاش تقاعدي كامل بدءاً من بلوغه 63 سنة، ودفع علاوة الأمومة للنساء الذين أنجبن أطفالاً بعد عام 1991 ولحقهن إجحاف، يواصل أرباب العمل وخبراء اقتصاد كثر التنديد بهذه القرارات والمطالبة باعادة النظر فيها، والتحذير من أنها ستؤدي إلى زيادة الباحثين عن عمل بسبب عدم قدرة شركات عديدة على تحمل أعباء إضافية، ويتوقع هؤلاء أن يخسر نحو 200 ألف عامل وموظف وظائفهم في السنة الأولى و150 ألفاً في السنوات الثلاث اللاحقة، ويعتقدون أيضاً أن صندوق التقاعد سيرزح أكثر تحت ثقل معاشات المتقاعدين إذا فُتح باب التقاعد المبكر في وقت يقل فيه عدد المشاركين في الصندوق ويتزايد عدد المتقاعدين، إضافة إلى ان الأمر يتناقض في رأيهم مع قرار رفع سن التقاعد إلى 67 سنة، ويعتقدون أيضاً أن الزيادة المقررة للأمهات ستؤثر بدورها سلباً على الصندوق، وثمة قرارات أخرى ينتقدها الخبراء وأرباب العمل مثل قرار وقف الزيادة على ايجارات السكن.
في المقابل دافع خبراء اقتصاد آخرون عن تحديد حد أدنى مرتفع للأجور معتبرين أنه سيساهم أكثر في تحريك عجلة الاستهلاك في ألمانيا لأنه سيؤمن دخلاً إضافياً للمستفيدين منه بنسبة 2,4% ابتداء من عام 2015، وذكر معهد IMK لبحوث الاقتصاد الكبير أنه تبين له بعد إجراء بحث عملي على الأرض أن تحديد حدّ أدنى للأجور لا يفرز انعكاسات سلبية على وضع العمالة في ألمانيا، خاصة وأن الحكومة ستعمد إلى تنفيذ القرار بصورة حذرة، وعلى دفعات، ومع استثناءات محددة، وفي ما يخص الباحثين عن عمل توقع المعهد أن ينخفض عدد الباحثين عن العمل إلى 2,8 مليون شخص في عام تنفيذ القرار 2015، وفي المقابل ذكر المعهد أن عدد العاملين في ألمانيا الذين يقبضون حالياَ أقل من 8,50 يورو للساعة الواحدة يبلغ خمسة ملايين شخصاً، ولو وافقت ألمانيا على الاستثناءات التي يطالب بها رجال الأعمال فان مليوني عامل سيحرمون من مفاعيل الحدّ الأدنى للأجور.
وإذا كانت القرارات الاجتماعية هذه تحمل في طياتها بعض المحاذير المالية على صندوق التقاعد، وبعض الأعباء المالية الإضافية على الشركات بعد تحديد حد أدنى للأجور، إلا أنها لقيت في المقابل ترحيباً شعبياً كبيراً في ألمانيا وزادت من شعبية الحكومة المسيحية ـ الاشتراكية لدى المواطنين، ففي استفتاء تجريه دورياً القناة التلفزيونية الأولى ARD أعرب 73% من المواطنين الألمان من مختلف الأعمار عن تأييدهم للسياسة الاجتماعية المتبعة من حكومتهم، ورغم أن كلفة التقاعد المبكر ستبلغ تبعاً لتقديرات الخبراء 160 مليار يورو حتى عام 2030 يتحمل عبئها المشاركون في صندوق التقاعد فان عدد رافضي القرار لم يتجاوز الـ 22%، وإلى جانب بقاء شعبية المستشارة انجيلا ميركل عالية (72% بزيادة نقطة واحدة عن شهر مارس) ارتفعت شعبية وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية الاشتراكية الديمقراطية التي أعدت القوانين إلى 42% بزيادة سبع نقاط.

برلين تحلَ خلافها حول الطاقة المتحولة
وضع التحالف الحكومي الألماني أخيراً حداً للخلافات القائمة منذ فترة في ما بينه حول مستقبل الطاقة المتحولة، وفي ما بينه وبين حكومات الولايات الألمانية الستة عشرة، وكذلك في ما بينه وبين الاتحاد الأوروبي، وتمكّن وزير الاقتصاد والطاقة الاتحادي سيغمار جابرييل، وهو رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي ونائب المستشارة المسيحية، بعد جولات عدة من المفاوضات من وضع تعديل مشترك لمسار التحول الجاري في ألمانيا من الطاقات التقليدية إلى الطاقات المتجددة، وكان التحول تعرقل إلى حد كبير في عهد الحكومة المسيحية ـ الليبرالية السابقة بعد قيام الحزب الليبرالي بكبح مساره، الأمر الذي أحدث بلبلة كبيرة وساهم في رفع سعر الطاقة في ألمانيا.
وبعد أن حلًت الحكومة الألمانية الحالية خلافاتها وأقرّت التعديلات اللازمة على قانون التحول في الطاقة عقدت المستشارة ووزير الطاقة قمة حول الطاقة البديلة مع رؤساء حكومات الولايات الألمانية مطلع الشهر الجاري انتهى إلى عقد اتفاقات معهم حفظت مصالح هذه الولايات في ما يخص انتاج الطاقات المتجددة، خصوصاً الولايات الشمالية التي تتمتع بموقع مناسب جداً لإنتاج طاقة الرياح لقربها من بحر الشمال ونقلها منه إلى جنوب ألمانيا وغربها الصناعيين، وبذلك أزيلت الأسباب التي أدت إلى وقوف الولايات الألمانية أيضاً في وجه خطة الحكومة، وتوّج الوزير جابرييل لقاءاته باجتماع عالي المستوى في بروكسيل تمكّن فيه من انتزاع موافقة الاتحاد الأوروبي على إعفاء المصانع والشركات الألمانية الكبرى المستهلكة للطاقة من قسم كبير من كلفة الكهرباء.
ورداً على اتهام الوزير والحكومة بتحميل المستهلك العادي كلفة استهلاك الشركات الكبيرة للطاقة نفى وزير الطاقة جابرييل ذلك، ولفت إلى أن الاعفاء ضروري للمحافظة على القدرة التنافسية لهذه الشركات في العالم.
وتابع: إن مصير مئات آلاف العمال في ألمانيا متعلق بموضوع اعفاء شركاتهم من القسم الأكبر من فاتورة الكهرباء، وعن سعر الكيلوواط/ساعة قال: إن ثمة فرصاً كبيرة للإبقاء على السعر الحالي، وهو 6,24 سنت، حتى أخر عام 2017.
وأوضح أن نحو 500 من أصل 2100 شركة في ألمانيا لن تبقى على لائحة الاعفاء من فاتورة الكهرباء لكونها شركات لا تصدر إلى الخارج ولا يعاني انتاجها من منافسة دولية.
وأعرب خبراء الطاقة عن ارتياحهم الشديد لما تم انجازه في هذا الصدد على مختلف المسارات لتأمين الإطار العام لمشروع التحول إلى الطاقات البديلة، ورأوا أن وزير الطاقة أنجز مهمة صعبة وكبيرة على طريق وضع قانون جديد للطاقة، علماً أن مراحل عدة من التخطيط وضمان فعالية الكهرباء وشبكات النقل لا تزال قيد الوضع والتحضير، ومعروف أن قانون التحول إلى الطاقات المتجددة الذي بدأ قبل ثلاث سنوات، يرى انهاء التحول في عام 2022 على أبعد تقدير، وتهدف الحكومة الألمانية من وضع قانون جديد للطاقة يحال قريباً إلى البرلمان للتصويت عليه إلى وقف ارتفاع جديد في سعر الطاقة يتحمل القسم الأكبر منه المستهلك العادي. ونفى الوزير جابرييل الإشاعات عن أن سعر الكيلوواط/ساعة سيرتفع قريباً من 6,2 إلى 7,7 سنت. ويدفع المستهلكون الألمان سنوياً 20 مليار يورو لدعم التحول إلى الطاقات البديلة، ما يعادل 220 يورو إضافية سنوياً لكل عائلة مؤلفة من أربعة أشخاص.

تنافس شديد بين شركات السيارات
تواجه صناعة السيارات الألمانية منذ سنوات عدة منافسة شديدة من جانب شركات السيارات اليابانية والأميركية على المستوى الدولي، خاصة في السوقين الرئيسيين لها في كل من الصين والولايات المتحدة. وفي حين تربعت شركة تويوتا السنة الماضية مرة أخرى على عرش الشركات الأكثر مبيعاً في العالم حلّت الشركة الألمانية فولكس واجن في المرتبة الثانية وجنرال موتورز الأميركية في المرتبة الثالثة، ووضعت "فولكس واجن" قبل ثلاث سنوات أمامها هدف انتزاع المرتبة الأولى في عام 2018.
وفي مقارنة بينها تمكنت شركات السيارات اليابانية من زيادة قيمة مبيعاتها بنسبة 14% العام الفائت عن عام 2012، وأرباحها غير الصافية بنسبة 80% فيما زادت قيمة مبيعات منتجي السيارات الألمانية بنسبة 2% فقط في حين حقق المنتجون الأميركيون 7% تبعاً لدراسة نشرتها أخيراً مؤسسة أميركية للاستشارات.
وقالت الدراسة: إن شركتي هوندا ومازدا اليابانيتين تمكنتا من زيادة مبيعاتهما العام السابق بأكثر من الخمس مقابل 12 إلى 14% لشركات تويوتا وميتشوبيشي وسوزوكي، وبالنسبة للشركات الألمانية زادت مبيعات فولكس واجن بنسبة 2%، ودايملر بنسبة 3% فيما تراجعت مبيعات BMW بنسبة واحد%، وفي الوقت الذي أعلنت "تويوتا" انها حققت السنة الماضية ربحاً قياسياً بلغ 13,5 مليار يورو حققت "فولكس واجن" 9,4 مليار يورو و"جنرال موتورز" 2,8 مليار يورو. والمقارنة أعلاه غير عادلة تماماً إذ أن "تويوتا" تستفيد بشكل واضح من خفض قيمة عملة بلدها "الين" في الأسواق المالية، ما يخفض من سعر سياراتها في العالم ويرفع سعر السيارات الألمانية بفعل ارتفاع قيمة اليورو.
صحيح أن اليابانيين يسجلون بذلك دخلاً أعلى، إلا أنهم يبيعون عدداً أقل من السيارات، ففي حين بلغت الزيادة في أعداد سياراتهم المباعة 3% سجلت شركات السيارات الألمانية زيادة من 5%، والأميركية 7%، وأشارت الدراسة إلى أنه في إطار المنافسة الدولية القوية الجارية بين شركات سيارات الدول الثلاث لتوسيع أسواق مبيعاتها لا تزال تحتل صناعة السيارات الألمانية موقعاً ممتازاً، فعلى مدى العقد المنصرم رفعت شركات السيارات الألمانية قيمة ايراداتها من 227 إلى 391 مليار يورو، بزيادة 72% بينما سجّلت الشركات اليابانية زيادة من 28% فقط. إضافة إلى ذلك فان لشركات السيارات الألمانية أفضلية حاسمة على السيارات اليابانية والأميركية في قسم سيارات الـ "بريميوم" الفخمة التي تمتاز بها والتي تباع بأسعار مرتفعة.

ارتفاع اليورو قد يتطلب تدخلاً من ألمانيا
بدأ ارتفاع قيمة اليورو إزاء الدولار والعملات الصعبة الأخرى يشغل أخيراً بال مسؤولي البنك المركزي الأوروبي وخبراء المال في أوروبا والعالم بشدة، وبرز ذلك خلال الاجتماع المشترك بين البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أواسط الشهر الجاري في واشنطن وحضره أيضاً ممثلو دول "قمة العشرين" الذين طالبوا رئيس البنك المركزي الأوروبي بالتدخل لوقف ارتفاع العملة الأوروبية الموحدة. وأعرب رئيس البنك الأوروبي على الأثر عن اعتقاده بأن وقف الارتفاع "يتطلب تأمين محفزات مالية".. مشيراً إلى أن الأمر هذا "يطرح بعداً هاماً لمنحى الحفاظ على الاستقرار النقدي"، وفسّر المراقبون الماليون كلمات دراجي على أنها تعكس فقدان صبره إزاء الارتفاع المستمر في قيمة اليورو تجاه العملات الأخرى.
ويعتقد الخبراء أنه مع وجود تضخم منخفض لا يتجاوز حالياً ربع النسبة المئوية المسموح بها من البنك المركزي الأوروبي، وهي 2%، فان ارتفاع سعر اليورو خلال سنة واحدة بنسبة 6% إزاء الدولار يدفع بالبنك المذكور إلى الاهتمام بالحفاظ على الاستقرار المالي الذي هو هدفه الرئيس، خاصة وأن أسعار الواردات على انخفاض فيما أسعار المنتجات المصدَّرة على ارتفاع، ولا يزال سعر اليورو الواحد حالياً يسجّل 1,38 دولار بعد أن كان وصل أخيراً إلى 1,40 دولار، ما سبّب جدلاً داخلياً وخارجياً وبحثاً عن كيفية خفض قيمته التي لا تتناسب مع الوضع المالي لمعظم دول منطقة اليورو.
وقال دراجي في اجتماعات واشنطن: "إن التدخل في أسعار النقد ليس من أهداف البنك المركزي الأوروبي، لكن الأمر أصبح الآن بعد كل ما حصل في الشهرين الماضيين أكثر أهمية للحفاظ على استقرار الأسعار".
وأظهرت دراسة أجرتها مؤسسة رايفايزن كابيتال للإدارة النمساوية أخيراً أن اقتصادات دول الشمال الأوروبي مثل بلجيكا وفنلندا مرهقة بديون كبيرة غير ظاهرة وتطرح علامات استفهام كبيرة على وضعها المالي على المدى البعيد، وقالت رايفايزن كابيتال "ان أخذ المرء القدرة الشرائية كمعيار يتوجب على اليورو أن ينخفض بوضوح أمام الدولار"، ورأت أن سعر اليورو على الدولار لا يجب أن يتعدى حالياً الـ 1,20 دولار، أي أقل بعشرة% مما هو عليه حالياً، وفي سياق مماثل رأى خبير مالي في شركة رعاية الاستثمارات المالية أن الوضع السياسي والاقتصادي المضطرب في أوروبا يعمل لصالح العملة الأميركية بشكل واضح، ولفت إلى أنه فيما خرجت الولايات المتحدة وبريطانيا من أزمتيهما المالية لا تزال الأزمة المالية الأوروبية قائمة، ويتوقع خبراء كثر يتقاسمون الرأيين السابقين أن يهبط سعر اليورو إزاء العملة الأميركية إلى 1,28 دولار من الآن وحتى نهاية السنة الحالية، علماً أن مستواه لم ينخفض منذ صيف العام الماضي عن 1,30 دولار.