[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]

”.. نحن بهذا الحديث لا نسعى لرفع سقف المخاوف بقدر ما هو "دق لناقوس خطر" يجب أن لا تستهين به الأنظمة الحاكمة في دولنا الخليجية ولا بتبعاته على استقرار دولها ومستقبل شعوبها، فالقراءة الأولية لتلك المتغيرات العابرة للقارات والتطورات السريعة التي حدثت في حقبة ثورة الاتصالات وما زالت تحدث باستمرار،”

ــــــــــــ
أرادت ذلك أم لا، فإن دول مجلس التعاون الخليجي بلا استثناء تعيش اليوم معارك لا حصر لها في حرب كونية لا متناهية، تبدأ بمعركة التغيير والعولمة العابرة للقارات، مرورا بالإصلاح والتنمية الشاملة، وما يترتب على ذلك من متطلبات رفع سقف الحريات والديمقراطيات وتحسين مستوى المعيشة وضرورة سن القوانين التي تتناسب وتلك المتغيرات، وليس انتهاء بمعركة الاستقرار التي لا يمكن أن تتحقق سوى بحسم معارك التنمية والإصلاح والحداثة، وبين هذه وتلك يتربص الطامعون والمستعمرون، ويقف العملاء والمرتزقة والخونة لأوطانهم في الداخل والخارج ينتظرون الفرصة السانحة كالطفيليات التي تنتظر تعفن الجسد لتقتات عليه، وغيرها الكثير من التحديات والعوائق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغير ذلك.
ونحن بهذا الحديث لا نسعى لرفع سقف المخاوف بقدر ما هو" دق لناقوس خطر "يجب أن لا تستهين به الأنظمة الحاكمة في دولنا الخليجية ولا بتبعاته على استقرار دولها ومستقبل شعوبها، فالقراءة الأولية لتلك المتغيرات العابرة للقارات والتطورات السريعة التي حدثت في حقبة ثورة الاتصالات وما زالت تحدث باستمرار، وما ترتب على ذلك من تحولات نفسية وأيديولوجية في فكر الشعوب ومرئياتها للماضي والحاضر والمستقبل، وتعاطيها مع الأحداث والمتغيرات التي تلامس حياتها اليومية، يجعلنا نؤكد وبما لا يدع مجالا للشك بأن السلطات والأنظمة السياسية في مختلف أرجاء العالم ـ في الشرق والغرب ـ تمر نفسها بحالة من التفكك، وبعبارة أخرى لم تعد تحظى بالقوة الأخلاقية التي تستطيع ان تسيطر بها على شعوبها ومجتمعاتها.
وبعبارة أخرى ـ فإن معركة الاستقرار التي تسعى لكسبها دول مجلس التعاون الخليجي اليوم في مواجهة تلك التحديات وحالة عدم الاستقرار والتي تمر بها ما زالت بعيدة المنال، وخصوصا ان هناك سوء فهم أو سوء تصرف أو سوء تخطيط تجاه بعض تلك العوائق والتحديات وطرق احتوائها، أو ربما نستطيع ان نقول، ان خوف الأنظمة السياسية نفسها من التغيير وتلك المتغيرات التي تعصف بدولها وبشعوبها اثر على سلامة تلك المعالجات، مما جعلها تغرد بعيدا جدا عن سرب الأطروحات والمرئيات الصائبة التي كان يمكن ان تدفعها باتجاه تحقيق النصر في تلك الحرب الكونية التي تعاني منها معظم دول العالم.
وهو ما يدفعنا بدوره من ذلك المنطلق لتوجيه رسالة ما إلى معظم الأنظمة السياسية الخليجية مفادها: ان بعض التنازلات التي تعد قاسية وقد فرضتها سياسة الأمر الواقع من قبل شعوب المنطقة على الأنظمة الحاكمة في ظل المتغيرات التي عصفت بمعظم دولنا العربية في الفترة الماضية وما زالت مستمرة حتى اللحظة الراهنة، والخضوع لمتطلبات الشعوب رغم عدم منطقيتها في كثير من الأحيان من وجهة النظر الرسمية والاتجاه لتغيير العديد من الخطط والتوجهات لا يجب ان ينظر إليه على انه تحد أو حرب بين تلك الشعوب وحكامها، غايته إسقاط الأنظمة أو تحجيم دورها القيادي والسيادي.
بل يجب الانتباه إلى نقطة ما في كل ذلك، ربما ان الكثير من المؤثرين وصناع القرار والمحيط المنفذ والقريب من تلك الأنظمة قد غفل أو تغافل عنها، وبدوره وللأسف الشديد قد اثر على صناعة القرار في دولنا الخليجية ـ واقصد هنا ـ جمود وظائف الدولة ومراوحة الأنظمة السياسية مكانها في حالة من الشيخوخة المؤقتة وعدم قدرتها على التغيير والتكيف ومواكبة تسارع موجات الحداثة ومطالب الإصلاح، والتي كان من المفترض ان تسعى دولنا الخليجية لمواكبتها والتكيف معها منذ سنوات طويلة، مع ضرورة المحافظة على طبيعتها الثقافية وموروثها الحضاري.
اذا كان من المهم وما زال حتى لا نكرر أخطاء الماضي ضرورة (ان توائم الدولة نفسها لتأدية وظائفها في ضوء المستجدات العالمية الخارجية والمحلية، فمثلا من قيام الدولة بالدور الأساسي في عملية التنمية إلى دور الشريك، إلى دور المراقب لعملية التنمية والموجه لها، ومهما كان دور الدولة ـ وهو ما نود التنبيه إليه هنا تحديدا، وهو خلاصة الرسالة السابقة ـ فإن المستهدف هو تحقيق التنمية) والتي هي محور الاستقرار وأول مفاتيح النصر في تلك المعارك سالفة الذكر.
على العموم فإنه من جهة لا يعني ذلك الاستسلام بطريقة ما لتلك المخاوف والتحديات والخضوع لسياسة الأمر الواقع التي نعيشها اليوم، والتي فرضتها انعكاسات العولمة العابرة للقارات ومرحلة تناقل الثورات وسنوات من تراكم أخطاء الماضي وجمود وظائف الدولة، وشيخوخة الأنظمة السياسية، ولا يمكن بحال من الأحوال من جهة أخرى كذلك تجاهل الكثير من المعالجات والأفكار والأطروحات الصائبة والطيبة التي وجهت لاحتواء وتقليل مخاطر تلك العوائق خلال الفترات الماضية في اغلب دولنا الخليجية، بالرغم من ان كل ذلك لم يكن كافيا حتى اللحظة الراهنة، وبطريقة نستطيع من خلالها القول ان تلك المعالجات حققت معركة الاستقرار المنشودة، ولكننا يمكن ان نؤكد ان بعضها دفع بشكل مؤقت نحو مزيد من الوقت لكسب تلك المعركة الحاسمة والمصيرية في تاريخ المنطقة.
إذا هناك سؤال يطرح نفسه بقوة هنا، وهو: ما هي المعالجات والحلول الممكنة او حتى المتوفرة والتي يمكن ان توجه لاحتواء او على اقل تقدير التقليل من الآثار السلبية والمخاطر المحتملة لمعارك لا بد لنا من خوضها في المستقبل، وعلى رأسها بل وأهمها على الإطلاق هي معركة الاستقرار في عالم متغير وغير ثابت وسريع التقلبات؟ ولو نظرنا إلى صيغة السؤال لوجدنا بكل تأكيد طيفا واسعا من الحلول والمعالجات والإجابات، منها ما هو تكتيكي وآخر استراتيجي، ولكننا قمنا باختصار كل ذلك في نقاط وجدنا من وجهة نظرنا أنها أكثر شمولية وأوسع رؤية في هذا السياق، واقصد التقليل من الآثار السلبية والانعكاسات الخطيرة لمعركة الاستقرار على رقعة الشطرنج الخليجية خلال السنوات المقبلة، ومن أهم تلك النقاط:
(1) يجب ان تدرك الأنظمة السياسية في دول مجلس التعاون الخليجي ان صمام الأمان الأهم لاستقرار المنطقة من التهديدات الخارجية العابرة للقارات وحتى تلك الداخلية، وبالتالي استقرارها يكمن في استقرار شعوبها من مختلف النواحي المادية والمعنوية، وان أية أفكار أخرى تسير أو توجه في عكس هذه الاتجاه لن تؤدي سوى إلى استمرار الخلافات الداخلية والانقسامات الوطنية، وهو ما سيؤدي بدوره إلى تفاقم حالة الفوضى الهدامة وعدم الاستقرار، والذي بدوره كذلك سيؤدي الى إفساح المجال للتدخلات الخارجية والاختراقات الاستعمارية.
وبمعنى آخر، ضرورة ان تنتبه الأنظمة السياسية في دول مجلس التعاون الخليجي إلى أهمية تحسين مستوى المعيشة ورفع سقف تنمية ودخل الفرد وتعزيز استقراره النفسي والاقتصادي، وهو ما سيدفع الشعوب بشكل تلقائي إلى الاستقرار الثقافي والفكري والثقة بأنظمتها السياسية، والاطمئنان على مستقبلها ومستقبل أولادها في ظل أنظمة سياسية حاكمة تتشارك معها الهموم ومشاق الحياة اليومية.
(2) تنمية قوى المجتمع المدني ومؤسساته، والتي سيؤدي بدورها إلى تدعيم فرص الأمن والاستقرار، (وضمن أولويات العمل في هذا الاتجاه ضرورة الشروع ببرنامج متكامل للتربية الوطنية "المواطنة" والمدنية، وللتنمية المعرفية، وإشاعتها في بيئة اجتماعية تفضي إلى رفد مؤسسات المجتمع المدني وتدعيمها، وسن التشريعات القانونية الضرورية الكفيلة بتنظيم أعماله ونشاطاته وتوظيف مبادرات التي تحتاج على الدوام إلى الدعم والمواكبة من قبل السلطة العامة في المجتمع).
وبصيغة أخرى، التشاركية في اتخاذ القرارات المصيرية وخصوصا تلك التي تلامس الحياة اليومية للشعوب، وبالتالي تحميل المجتمع ومؤسسات المجتمع المدني جزءا من مسؤولية القرارات التي تتخذها الدولة، وبالتالي تحمل التبعات والانعكاسات السلبية التي يمكن ان تترتب على ذلك القرار وانعكاساته في المستقبل في حال كان في غير محله، مع التأكيد على ضرورة ان تقوم المجالس النيابية ومجالس الشورى المنتخبة من قبل المجتمع على سن القوانين التي تلامس حاجات وحياة المواطن بشكل مباشر، على ان يقتصر دور الدولة في هذا الشأن على دور الموجه وليس الضاغط أو المتحكم أو المشرع ، وبمعنى آخر، إفساح المجال أمام المواطنين للمشاركة في صنع السياسة العامة وتنفيذها وصناعة القرار والتأثير في اتخاذه.
وقبل ان نختم هذا الطرح فإننا نود التنبيه على نقطة أخيرة، غاية في الأهمية، وهي: ان شعوب المنطقة وثقافتها وأفكارها وطموحاتها بشكل عام وجيل الشباب على وجه الخصوص ليس هو ذلك النموذج الذي عهدته الأنظمة السياسية قبل 20 سنة تقريبا، وبالتالي يجب ان تتنبه تلك الأنظمة السياسية بالإضافة إلى ما سبق ذكره إلى أهمية مواكبة والتكيف مع التغيرات السسيولوجية والسيكولوجية التي تعايشها شعوب المنطقة اليوم بوجه عام وخصوصا شريحة الشباب منهم ـ لمزيد من التوضيح انظر مقالنا: فقدان الدفء الوطني وتأثيره على الشباب العربي.