طوق النجاة من المشكلات.. خطوة نحو الشعوب وخطوات صوب الأشقاء


[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/04/ayman-hussien.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أيمن حسين
مراسل الوطن[/author]

تمر البلدان العربية بعدد ضخم من المشكلات السياسية والاقتصادية والأمنية التى تضرب وحدتها وتهدد بتفكك نسيجها، وهو ما يستوجب غرس مفاهيم جديدة للأجيال الشابة من منظور القومية العربية للتغلب على الأزمات والمشكلات لمحاولة اللحاق بركب الحضارات المعاصرة خاصة مع تنامي الفجوة واتساعها ما بين العرب والغرب.
وتحتاج المجتمعات العربية أيضاً إلي وجود حوار عام وتناغم بين الشعوب وحكوماتها أو السلطات الموجودة يكون الحوار قائماً على تقدير المسئولية واحترام القوانين وعدم المقامرة بمستقبل الأوطان خاصة في ظل التوترات والصراعات التي ينوء بها الوطن العربي وتعتصر مقدراته وتهدد بضياع بلدان بالكامل وسط ضبابية التشرذم وحالات الانقسام الفكري وتناحر بعض العرقيات والمذاهب والطوائف في بلدان عربية، حيث أسفر ذلك عن تحول شعوب دول غنية بالثروات إلي مشردين وجائعين ولاجئين بحاجة لمساعدات إنسانية عاجلة.

المشهد السياسي :
المتأمل للحالة الراهنة بالوطن العربي يعتريه الحزن والهموم حيث الأزمات والصراعات التي تضرب بأطنابها المنطقة في ظل سيناريوهات مخيفة توشك أن تدمر دول بكاملها وتضيع مستقبل شعوب، لهذا فمن الأجدر بالأمة العربية البحث عن طوق نجاة لها عن طريق تحديد أسباب الأزمات والمشكلات المتفاقمة ووضع حلول حتى لو تطلب الأمر جلوس أعداء الأمس المتناحرين مع بعضهم البعض علي طاولة المفاوضات في محاولة ليكونوا أصدقاء الغد وشركاء وطن واحد بوأد الفتن وإعلاء قيم الأوطان على المصالح الفئوية الضيقة، ولعل هذا الأمر ما تتطلبه المرحلة الراهنة في بلدان تعاني ويلات الخلافات والتناحر كسوريا والعراق واليمن وليبيا وأيضا السودان والصومال.
هناك العديد من الأسباب التي أسفرت عن موجات شديدة التعقيد من الصراعات والحروب بالشرق الأوسط والمنطقة العربية تجلت غالبيتها أثناء وبعد هبوب رياح ما يسمى ( ثورات الربيع العربي) التي لم تنجح في تنفيذ ما كانت تسمو إليه من أهداف وسط مؤامرات دولية وإقليمية واسعة النطاق انتهى بها الحال إلى حالات انفلات امنى وانقسام وتناحر ومحاولة تصفية التيارات السياسية فى معظم هذه البلدان لمعارضيها.
وتبدو في مقدمة أسباب توتر المنطقة واشتعال الصراعات فيها هو انخراط فئات واسعة من الشباب والوافدين بل والأجانب أيضا في جماعات مسلحة ومعارضة لجهات بعينها وأحيانا تستهدف هذه القطاعات بلا وعي وباستخدام السلاح ومحاربة سلطات حاكمة حتى أن عدد هذه الجماعات وتوجهاتها تنذر بخطر داهم على الأمن العربي ككل في ظل غياب وحدة الكلمة لبلدان المنطقة وعدم قدرتها علي اتخاذ قرارات فعلية حتى أن نتائج القمة العربية الأخيرة في موريتانيا جاءت هزيلة جدا من حيث تأثيراتها على أرض الواقع أمام ما يجرى من أحداث خطيرة وجسيمة بالشرق الأوسط .
على جانب آخر هناك العديد من الأسباب التي أوصلت الأمور بالمنطقة إلى درجة الغليان والانفجار في ظل هوان الدم العربي وسط أزمات مسلحة وحروب لا طائل منها لعل أهمها فقدان الأمل لدي فئات في إصلاح الأوضاع فتحولت لمعاول هدم لمجتمعات تنتمي لها وكان من الأجدر بها المشاركة في إنقاذها، كما أن تفشى الفساد بكثير من المجتمعات العربية بكل صوره خاصة السياسي والاقتصادي تزامن مع تدهور الثقافة والفكر الخاص بكثير من الطبقات وعدد كبير من الشباب حيث تنتشر ثقافة اللهث وراء المتع والمال دون بذل جهد يضيف للمجتمع.
وبالتالي ينجرف هؤلاء في دوامات تشمل التفكير والرغبة في ارتكاب العنف والجرائم ضد المجتمعات والانسياق في انتماء أعمي إلي جماعات مسلحة مناوئة للشرعية وكذلك البحث عن الهجرة غير الشرعية التي لها عواقب وخيمة في ظل تفاقم مشكلاتها العالمية لدرجة تحول فئات من المهاجرين لجواسيس ضد أوطانهم في الخارج أو تنفيذهم عمليات دموية لحساب منظمات محظورة في بلدان أخرى مما يدل على ضعف الواعز الديني الصحيح والأخلاق والروح الوطنية لديهم مما يهدم أسس السلام الاجتماعي بشيوع الجريمة وفقدان الأمن والاستقرار.
الواقع الاقتصادي:
ذكر البنك الدولي في تقرير حديث أن الحروب أثرت بشكل مباشر على 87 مليون شخص من أربعة بلدان في في المنطقة العربية هي العراق وليبيا وسوريا واليمن أي ثلث سكان المنطقة وتأثرت كل مناحي الحياة بشدة القتال في هذه الصراعات، ولو تحولت بلدان المنطقة كلها إلى المعالجة الديمقراطية الحقيقية لكان متوسط نصيب الفرد من نمو إجمالي الناتج المحلي 7.8% في غضون خمسة أعوام بالمقارنة مع معدل نمو 2.6% حاليا بينما آفاق النمو على الأمد القصير يصفها الخبراء بأنها تبعث على التشاؤم.
هذا فى الوقت الذى تعانى فيه بعض بلداننا العربية حاليا من تفاقم تكاليف وفواتير رعاية ضحايا الصراعات من المهجّرين فهناك 13.5 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في سوريا، وفي اليمن 21.1 مليون مشرد، وفي ليبيا 2.4 مليون لاجئ، وفي العراق 8.2 مليون جائع ومشرد، مما وضع عبئاً كبيراً على كاهل ميزانيات البلدان المستقبلة لمنكوبي الحروب والقتال المسلح.
يتزامن هذا مع تأثيرات سلبية وعواقب وخيمة على موارد البلدان العربية المصدرة للنفط نتيجة هبوط أسعاره بشكل حاد وقاس فقد باتت تعتمد سياساتها الاقتصادية على تنويع الدخل واستثمار احتياطيات وفوائض العقود السابقة لإنقاذ نفسها من عجز الموازنة، كما أن هناك تناقضا كبيرا في السياسات الاقتصادية لبعض البلدان العربية فهناك دول ذات فوائض واستثمارات هائلة في الغرب تحرم أموالها عن أسواق العمل والاستثمارات في دول فقيرة ونامية بالمنطقة هي في أمس الحاجة لها للنهوض بدلا من تركها على شفا الإفلاس واللجوء للديون بفوائد باهظة وشروط مجحفة من الخارج.
ولعل هروب رؤوس الأموال العربية للاستثمار في الغرب والولايات المتحدة جعل ثروات العرب تساهم في دعم الاقتصاديات الأجنبية وتوفير فرص عمل وإقامة مصانع وكيانات مالية ضخمة لأوروبا والغرب في حين يزداد النمط الاستهلاكي العربي اللاهث وراء استيراد الموضات الشرائية دون تقدير لكون هذا استنزافا للاحتياطيات الخاصة بالمنطقة، والنتيجة تمتع البلدان الغربية بالوفورات المالية التي تقدمها لهم استثمارات الأموال العربية لإقامة مجتمعات إنتاجية في حين تزداد الأقطار العربية الفقيرة والنامية فقرا وتحيط بها أزمات الغلاء والبطالة والتضخم.
ورغم الثروات والموارد الضخمة التي يكتنزها الوطن العربي ارتفعت ديون 11 دولة عربية إلى 143 مليار دولار وفقا لمؤسسة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني حيث أوضحت أن هناك ارتفاعا كبيرا في ديون عدد من الحكومات العربية إلى أكثر من الضعف متوقعة أن تظل مرتفعة مع نهاية 2016 وذلك بالمقارنة مع حجم ديون 70,6 مليار دولار في 2014 . ويبلغ حجم إجمالي الديون التجارية للدول العربية 667 مليار دولار . ولعل هذه الديون ترتبط بالاتجاه أيضا نحو التسليح الباهظ التكلفة في المنطقة لمواجهة الصراعات وحركات التمرد المنتشرة في حين انخفضت موارد العديد من البلدان العربية المصدرة لصور الطاقة نتيجة الهبوط الحاد بأسعارها كركيزة اقتصادية كانت تعتمد عليها طويلا .
أجندة الحلول:
أولاً: يحتاج العرب كأفراد وجماعات ومجتمعات إلي زرع ثقافة فريق العمل والعمل الجماعي بدلا من ثقافة الفردية والمصالح الخاصة الضيقة الرؤية حتى لا يتم تهميش وتفتيت العالم العربي ومجتمعاته في المستقبل في ظل التربص من قبل العديد من الجهات والجماعات والبلدان بوطننا العربي.
ثانياً: يجب تنقية المجتمعات العربية من شوائب التفرقة والعنصرية بكافة أشكالها بعدم الانقياد وراء الفتن الطائفية والنزاعات القبلية والدينية حتى لا تضيع هوية البلدان العربية ومكاسب تاريخ النضال العربي الطويل ضد الاستعمار الذي أسفر عن نيل دول المنطقة لاستقلالها في الحقب الماضية. لكن اليوم ينبغي مواجهة خطر أكبر وهو احتمالات التشرذم والتفتت وظهور أنماط الاحتلال الاقتصادي والثقافي الخارجي الذي يحاول به أعداء الأمة النيل منها عن طريق إشعال الفتن البغيضة بغية تضييع هوية الأوطان.
ثالثاً: ينبغي على العرب قبول تحدى المؤامرات الخارجية التي تحاك ضدهم في كواليس السياسات الأميركية والإسرائيلية بوأدها قبل أن يضيعوا جميعا لحساب مصالح المقامرين بمستقبلهم، ويجب عليهم أن يفيقوا ويتغلبوا على تلك الظروف القاسية فكل شيء ممكن إذا توفرت الإرادة والعزيمة وصدق التوجه واستيقظت الضمائر بلا رغبة في الحصول على مصالح رخيصة على حساب قضايا العروبة.
رابعاً: يجب على الحكومات العربية تغليب العمل بروح الإحساس بمشاكل الشعوب العربية ونبضها وحل أزماتها بواقعية والتفاعل مع قضاياها الجماهيرية، لهذا فأمام حكومات المنطقة مسئولية مد يد العون للشعوب بالمنطقة لانتشالها من أشباح الفقر والعوز والبطالة والغلاء عن طريق رعاية الطبقات محدودة الدخل والمهمشة والمحرومة.
خامساً: هناك ضرورة ملحة للتعاون العربي المشترك والفعال في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية وتغليب مصالح المواطنين على أي إغراءات خارجية، وبالتالي يجب أن يكون صوت العرب نابعا من قوة إرادتهم وتحديهم للصعاب بدلا من الاستسلام للمكائد التي تهدد بلدانا عديدة بالشرق الأوسط وحولتها بالفعل لدوامات من الخلافات لا طائل منها، فمثلا سوريا فشلت فيها كافة الحلول العسكرية في حسم الموقف لصالح أي جبهة رغم حشد كل طرف لترسانة حربية ضد الأطراف الأخرى، فيما تحولت ليبيا إلى ما يشبه حروب العصابات وسط رغبة دولية في إنجاح حكومة الوفاق الوطني في كسر شوكة الجماعات المسلحة، وأيضا الصراعات لا تزال تدور في شمال وجنوب السودان وسط رؤية ضبابية لاحتمال تفتت كليهما إلى دويلات صغيرة بسبب تنامي حركات التمرد المسلح، فضلا عن الصراعات الدائرة فى اليمن.
سادساً: يجب إيجاد مواقف عربية قوية من قبل الدول الأكثر استقرارا والدول العربية الكبرى لوقف نزيف الدم العربي في بلدان الحروب والتوترات ولفتح أبواب التسويات لهذه الصراعات المشتعلة التي توشك أن تهدم أركان البيت العربي فبدون إخمادها لن يكون هناك أملا في إقامة حضارات تنموية وتنفيذ خطط النهضة.
وهناك بلدان عربية تنعم باستقرار كبير بالمقارنة بالدول الغارقة في الصراعات بالمنطقة لكنها مشغولة بأمورها الاقتصادية ومستويات معيشة سكانها الذين تعتريهم مشكلات الغلاء والبطالة، لكن ينبغي على هذه الدول المستقرة القيام بأدوار فعالة من منظور المسئولية القومية ووحدة المصير للشعوب العربية حتى لا تنجرف تلك الأقطار هي الأخرى في عدوى الأزمات السياسية، حيث إن غالبيتها تجاور دولا تعانى توترات وصراعات، فالدبلوماسية العربية تحتاج لوسطاء في حالة استقرار لنزع فتائل الأزمات قبل أن تطيح بالشرق الأوسط بكامله.
فى خضم هذا الزخم نجد السلطنة قامت وتقوم بالكثير من المبادرات الايجابية نحو الأمة بفضل قيادتها الحكيمة ووجود جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - على رأس السلطة حيث لم تدخر السلطنة جهدا لدعم الشعوب العربية في قضاياها المشروعة، وطرح العديد من الحلول وحشد الدبلوماسية العمانية للوقوف بجانب البلدان المنكوبة بالأزمات خاصة الشعب الفلسطيني، وأيضا التدخل كوسيط لحل كثير من الخلافات وهى الجهود التي حظيت بتقدير عربي وإشادة دولية.
سابعاً: من المهم معالجة كافة أسباب تدهور معدلات التنمية والاستثمار والسياحة وتراجع الموارد بالمنطقة العربية بشكل جذري حيث يستلزم الأمر مواجهة مسبباتها السياسية والاجتماعية والأيديولوجية معا، لهذا يجب في تلك المرحلة تحول العرب نحو وأد المؤامرات الرامية لإضعاف العرب واستنزاف ثرواتهم ومن ثم يجب فرض كلمة العرب على أرضهم وواقعهم وفق الثوابت والمبادئ والأعراف الدولية سياسيا واقتصاديا وكذلك فرض الاستقرار واسترداد الأمن المفقود حتى يكون المناخ السياسي العام مهيأ لتنفيذ أجندات الإصلاح الاقتصادي والتنموي المرجو.
ثامناً: ينبغي وضع أجندة تنموية عربية تقوم على التكامل والوحدة الاقتصادية لصالح شعوب الأمة، ووضع استراتيجيات للنهوض الشامل بمجالات الزراعة والصناعة والتجارة لتدخل حيز التنفيذ ولا تظل قيد البحث، ومن ثم تخليص كثير من المجتمعات بالمنطقة من علل البطالة بتوفير فرص عمل حقيقية كاستثمار للموارد البشرية الوفيرة بالأقطار كثيفة السكان وكذلك استغلال ثروات الأغنياء ورجال الأعمال العرب طبقا لتفاهمات لخدمة المجتمع بإقامة صروح مشروعات عملاقة تعود بالنفع والخيرات على الجميع مما يقضي على الفقر والعوز ويقلص حجم الاستيراد بتغليب المنتجات المحلية بدلا من الاستدانة من الخارج لشراء الواردات.
وبالتالي يمكن إذا ما اتبعت تلك الخطوات بصورة مدروسة والمناهج التعاونية أن تفيق الأمة من عثراتها وأن تعود من جديد كواحة خصبة للحضارات تشع للعالم العلم والفنون والثقافة وتسترد ريادتها على كافة الأصعدة في جميع المجالات، ويكون هذا بداية عهد جديد مشرق للعالم العربي بولادة فجر حضارات فائقة التطور تنافس الغرب وتزيل ما تلطخت به المنطقة من صراعات مريرة وانتكاسات دفعت ثمنها شعوبها ومن ثم تبرز قدرات العرب وتستثمر ثرواتهم في بناء مستقبل واعد للأجيال القامة وإنقاذ الأجيال الحالية من الأزمات الراهنة التي تعتصرها.