إعداد ـ أم يوسف

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ورحمة الله تعالى للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .. بعون الله تعالى في رحاب شهر رمضان المبارك مع سورة من القرآن الكريم نعيش حولها من خلال موقع المصحف الإلكتروني متدبرين مقاصدها ومحاورها لنسعد في الدارين والله تعالى الموفق والهادي الى سواء السبيل.
الفاتحة:
تُسَمَّى ‏‏‏الفَاتِحَةُ :‏‏‏لافْتِتَاحِ ‏الكِتَابِ ‏العَزِيزِ ‏بهَا ‏وَتُسَمَّى )‏‏‏أُمُّ ‏الكِتَابِ( ‏لأنهَا ‏جَمَعَتْ ‏مَقَاصِدَهُ ‏الأَسَاسِيَّةَ ‏وَتُسَمَّى ‏أَيْضَاً ‏السَّبْعُ ‏المَثَانِي‏، ‏وَالشَّافِيَةُ‏، ‏وَالوَافِيَةُ‏، ‏وَالكَافِيَةُ‏، ‏وَالأَسَاسُ‏‏، ‏وَالحَمْدُ‎ وهي سورة مكية، من سور المثاني وعدد آياتها سبعة مع البسملة، نـَزَلـَتْ بـَعـْدَ سـُورَةِ المـُدَّثـِّرِ، عن أبي ميسرة أن رسول كان إذا برز سمع مناديا يناديه: يا محمد فإذا سمع الصوت انطلق هاربا فقال له ورقة بن نوفل: إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك قال: فلما برز سمع النداء يا محمد فقال: لبيك قال: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ثم قال قل: الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين، حتى فرغ من فاتحة الكتاب وهذا قول علي بن أبي طالب.
فضل السورة:
رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ أَنَّ أُبـَيَّ بْنَ كَعْبٍ قَرَأَ عَلَي الرسول أُمَّ القُرآنِ الكَرِيمِ فَقَالَ رَسُولُ الَّلهِ:)وَالَّذِي نـَفْسِي بـِيَدِهِ مَا أُنـْزِلَ في التـَّوْرَاةِ وَلاَ في الإِنـْجِيلِ وَلاَ في الزَّبـُورِ وَلاَ في الفُرقـَانِ مِثْلُهَا، هِيَ السَّبـْعُ المَثَانـِي وَالقـُرآنَ العَظِيمَ الَّذِي أُوتـِيتـُه( .. فَهَذَا الحَدِيثُ يُشِيرُ إِلى قَوْلِ الَّلهِ تَعَالى في سُورَةِ الحِجْرِ:(وَلَقَدْ آتـَيـْنَاكَ سَبْعَاً مِنَ المَثَانـِي وَالقُرآنَ العَظِيمَ).
وتدور سورة الفاتحة حول ثلاثة محاور، وهي المحاور العامة التي يدور حولها القرآن الكريم ككل:
العقيدة:(الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ).
العبادة:(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).
منهج الحياة:(اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ).
لنتأمل معا كيف تترابط السورة وتتناسق من معنى إلى معنى ومن مقصد إلى مقصد، لقد افتتحت متوّجة باسم الله تعالى الإله المعبود المستحق لإفراده بالعبادة وانتقلت لحمده تعالى، (الحمد لله رب العالمين) وهو الثناء على الله بصفات الكمال، فله الحمد الكامل بجميع الوجوه، وهو تعالى المنفرد بالخلق والتدبير لشؤون الخلق، ثم انتقلت إلى الاستدلال بأن الاستعانة إنما هي به تعالى وحده وذلك بإضافة الاسم إلى لفظ الجلالة الجامع لصفات الكمال وبوصفه تعالى أنه (الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ)، وأنه تعالى (المالك) الذي اتصف بصفة الملك الذي يتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات، وأصناف الملك إلى يوم الدّين (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وبينت الآيات وحدانيته تعالى في ألوهيته وربوبيته:(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وفيها إثبات الحكم لله تعالى ونفيه عمّن سواه، وانتقلت إلى بيان المطمح الأعلى للإنسان، وأن هذا المطمح الأعلى هو الهداية إلى الصراط المستقيم:(اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) وختمت ببيان الطريق الصحيح والصراط الواضح الموصل إلى الله وهو صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وليس طريق الضالين من اليهود والنصارى.
إذن هذه السورة الكريمة حوت أُصُول الدِّينِ وَفُرُوعِهِ، وَالعَقِيدَةِ، وَالعِبَادَةِ، وَالتَّشْرِيعِ، وَالاعْتِقَادِ باليَوْمِ الآخِرِ، وَالإِيمَانِ بِصِفَاتِ الَّلهِ الحُسْنَى، وَإِفْرَادِهِ بالعِبَادَةِ وَالاسْتِعَانَةِ وَالدُّعَاءِ، وَالتَّوَجُّهِ إِلَيْهِ جَلَّ وَعَلاَ بطَلَبِ الهداية إلى الدِّينِ الحَقِّ وَالصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ، وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ بالتَّثْبِيتِ عَلَى الإِيمَانِ وَنَهْجِ سَبِيلِ الصَّالِحِينَ، وَتَجَنُّبِ طَرِيقِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ، وَالإِخْبَارِ عَنْ قِصَصِ الأُمَمِ السَّابِقِينَ، وَالاطَّلاَعِ عَلَى مَعَارِجِ السُّعَدَاءِ وَمَنَازِلِ الأَشْقِيَاءِ، وَالتَّعَبُّدِ بأَمْرِ الَّلهِ سُبْحَانَهُ وَنَهْيِهِ .. والله أعلم.