لم تكن وسائل التعطيل والتحريض والتشويش حالة طارئة على مسار الحل السياسي للأزمة السورية منذ تفجيرها، وإنما كانت ولا تزال عمودًا فقريًّا في جسم مؤامرة تدمير الدولة السورية، ذلك أن الحل السياسي سيقود إلى توقف عملية التدمير والتخريب والتهجير، وإلى انكفاء الإرهاب والقتل، وهو ما يتعارض مع جميع الأهداف والأجندات المعدة تجاه سوريا.
ولما كانت الرئاسة السورية وشخص الرئيس السوري بشار الأسد الضمانة لبقاء سوريا موحدة، والسبب في تقهقر مؤامرة التدمير والتفتيت، والتي أسهمت في صمود سوريا وتماسكها شعبًا وجيشًا، فإن تمسك معسكر التآمر والإرهاب برحيل الرئيس السوري، وبتشكيل هيئة حكم انتقالية، يسلط الضوء على حقيقة ما حيك بليل ضد سوريا باختزالها في شخص رئيسها، وكيل التهم الباطلة ضده، وتشويه مواقفه والتحريض ضده مثلما فُعِلَ من قبل بحق العراق وليبيا باختزالهما في شخص رئيسيهما.
سوريا وحلفاؤها المخلصون الصادقون أدركوا مبكرًا حجم المؤامرة ومدى المخطط لاستهداف الدولة وإحالتها خارج الخدمة في منظومة العمل العربي والإقليمي وحتى الدولي، ولهذا كانت رؤية بقاء الرئاسة في أي عملية انتقالية وتشكيل حكومة وحدة وطنية هي لضمان سلامة سوريا وتحصينها مما يبيته أعداؤها، وبالتالي فإن التحرك الروسي ـ السوري والحلفاء في جنيف وخارجه من أجل بقاء سوريا موحدة.
إلا أنه من المؤسف أن هذه الرؤية لا تزال أمرًا مرفوضًا من قبل قوى مكوِّنة لمعسكر التآمر والإرهاب الساعية الى تدمير الدولة السورية ودعم الإرهاب فيها لنخرها من الداخل حتى سقوطها؛ ولعل طلب ما يسمى وفد "الهيئة العليا للمفاوضات" أمس من الأمم المتحدة إرجاء الجولة الحالية من مفاوضات جنيف بزعم عدم الجدية من قبل وفد الحكومة السورية في مقاربة ملفي الانتقال السياسي والمساعدات الإنسانية، بالتزامن مع بدء عودة الإرهاب إلى الظهور وخرق الهدنة، لا يعكس مدى الخيبة والانكسار والهزيمة فقط بقدر ما يعكس مدى الكراهية والحقد تجاه سوريا ودور هؤلاء الوظيفي في إنجاز مؤامرة تدميرها، ذلك أن طلب إرجاء جولة المحادثات الحالية جاء إثر الإعلان الروسي عن وجود تفاهم روسي ـ أميركي لبقاء الرئاسة السورية وشخص الرئيس السوري بشار الأسد، وأن الوفد الحكومي قدَّم أفكارًا بناءة حول تشكيل حكومة وحدة وطنية، ما يعني أن وفد ما يسمى "الهيئة العليا للمفاوضات" قد تلقى التعليمات من أسياده أعداء سوريا للقيام بحركات أكثر ديناميكية لوضع المزيد من التعقيدات الإضافية، من المدخل ذاته ـ كما في كل جولة من محادثات مؤتمر جنيف ـ المتمثل في رمي الاتهامات الباطلة ضد الحكومة السورية ووفدها، وصرف الأنظار عن الطرف الحقيقي المعرقل والمعطل ودوره الوظيفي في ذلك.
إذًا، الموقف الجديد لوفد ما يسمى "الهيئة العليا للمفاوضات" هو محاولة جديدة لتعويض الفشل في الميدان، ولكسب المزيد من الوقت للرهانات القادمة علَّها تجود عليهم بشيء يعطي بصيصًا من الأمل في تحقيق تمنياتهم، لكنهم تناسوا أن سوريا وشعبها وجيشها وقيادتها ومن ورائها حلفاؤها قد هضموا ألاعيب الأعداء والمتآمرين ووسائل غشهم وتحايلهم وكشفوا لصوصيتهم.