حين نرصد التحدِّيات التي يتعرض لها المجتمع ومدى تأثيراتها غير المقبولة في منظومته الأخلاقية والثقافية؛ لنؤكد على ضرورة التصدِّي لها، ودراستها ومتابعتها، لتعزيز قدرة المجتمع على مواجهتها وترسيخ الهوية الوطنية، والقِيَم والمبادئ الأصيلة، إلى جانب الاهتمام بالأُسرة؛ لكونها الحصن الواقي لأبنائنا وبناتنا من الاتجاهات الفكرية السلبية، التي تخالف مبادئ دِيننا الحنيف وقِيَمنا الأصيلة، وتتعارض مع السَّمت العُماني الذي ينهل من تاريخنا وثقافتنا الوطنية.
كلمات مضيئة جاد بها مضمون الخطاب السَّامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم - حفظه الله ورعاه - عن (السَّمت العماني) والذي يحمل مدلولات وجملة من الأخلاقيات والعادات والتقاليد المتأصلة جذورها في المجتمع العماني منذ عهد السلاطين، وكان لها الأثر الطيب في وجود مسارات توازن الشخصية العمانية وإبراز هويتها وترسيخها وتميزها عن المجتمعات الاخرى كإرثٍ إنساني تاريخي تحاكي القِيَم والأخلاق وتتعمق في تلك الشخصية بجميع تفاصيلها.
وفي ظل التقنيات والثورة التكنولوجية كان لا بد من تعزيز ذلك الدور والاستفادة من المفرزات العصرية وما جادت به التقنيات والعالم الافتراضي وتسخيرها لترسيخ الكثير المفاهيم والقِيَم التي تُعنَى بالمحافظة على الهُوِيَّة وتعزيز حضورها من خلال صناع القدوات الوطنية والعمل جاهدًا من أجل غرس تلك القِيَم والمبادئ والثوابت وترسيخ أهمية الموروث الحضاري والانساني في مجتمع تحكمه العادات والتقاليد المتزنة والأصيلة، فتلك مسؤولية وطنية لا بد أن يستشعرها المواطن ويعي أهمية المحافظة على تنشئة الأبناء وتربيتهم على الموروث القديم من خلال دورهم في الأسرة وحضورهم في المجلس (السبلة) التي كانت تؤدي دورًا مهمًّا وبارزًا في تربية النشء وتعليمهم المبادئ والقِيَم الأخلاقية والتقاليد.. فأين دورها في هذه الأيام؟
فما أحوجنا لها في ظل هذا الانفتاح الكبير والذي جعل الأجيال في عالم آخر منفصل، فالبعض تأثرت سلوكياتهم بوسائل التواصل وصار همه (الترند) وإن كان ما يقدمه محتوى فارغ. إن الاستفادة من المعطيات والتسارع الكبير للطفرة الصناعية التكنولوجية وتسخير الذكاء الاصطناعي في فضاءات العالم الافتراضي ولا سيما أن التقنية تمد أذرعها لاحتضان كل من يبحث عن الجديد، حيث بات أمرًا ضروريًّا.
فمجتمعنا أصبح يرصد التحدِّيات التي يتعرض لها من خلال شبكات التواصل الاجتماعي والتي كان لها تأثير كبير في سلوكيات أبنائنا، فكان لا بد من التصدي لها والوقوف عليها وإعادة شبابنا إلى مسارات آمنة تحفظ لهم مكانتهم وقيمتهم وهُوِيَّتهم أمام العالم.
إن المحافظة على الهُوِيَّة العُمانية مسؤولة مشتركة بين الأُسرة والمجتمع والكل مشارك في تفعيلها وإبرازها عبر الأزمان، فالشخصية العمانية متميزة ومنفردة في كثير من الأمور التي تجعلها محط أنظار الجميع، ولم تكن مجالسنا خالية من التجمعات في الحارات لمختلف الأعمار بل كانت مدارس يتربى فيها أبناؤنا على السَّمت، فكانت مصانع الرجال المتأسين بأخلاق السلف.. محافظين على عاداتهم وتقاليدهم الأصيلة.
ما نشاهده اليوم من ممارسات غريبة ودخيلة لا تَمت للمجتمع العماني بأيِّ صلة لبعض التصرفات من قبل أبنائنا عبر وسائل التواصل المختلفة، باتت تفقدهم هُوِيَّتهم فاختلط الحابل بالنابل، وأجزم أن هناك الكثير من الأبناء صاروا بمنأى ولديهم معتقدات خاطئة، ولا يعون القليل من فن البروتوكول في المجالس، حيث تكون بالنسبة لهم رسميات لا داعي لها ونسوا بأنها هي ما تميزه عن الشعوب الأخرى وجزء من هُوِيَّته، وقد كان الشباب قديمًا سفراء لبلادهم، وكثيرًا ما كنا نسمع عبارات الإطراء في البلدان الأخرى لهذا البروتوكول الذي يحمل تفاصيل ومدلولات جمة للشخصية العمانية. إن الرؤية الثاقبة لجلالة السُّلطان وحكمته سلطت الضوء على المخاطر التي ستحدث ويكون لها التأثير على الشخصية العمانية وفقدها للهوية الوطنية ما لم تتدارك تلك المعضلة في قادم الوقت وتتحقق أهداف بعض المؤسسات والمنظمات الخارجية والتي تهدف إلى إدخالها في متاهاتها، ولما كانت الأسرة الحصن المتين للأبناء وسياجًا قويًّا يحميهم من تلك (الزوبعات) ولكونها مسؤولية مشتركة لا بد أن يتكاتف الجميع في التصدي لتلك الاتجاهات الفكرية السلبية والتي لا تمثلنا كعمانيين وتخالف تعاليم الدين وخط معاكس للعادات والتقاليد الأصيلة. في واقع الأمر خطاب جلالته - حفظه الله ورعاه - يتسم بالحكمة والرؤية الثاقبة واستقراء الحاضر.. أما آن الأوان لمؤسساتنا التربوية والدينية والاجتماعية أن تبذل جهودها من أجل ترجمة تلك التوجيهات ومضامينها على أرض الواقع.
بوح:
أعيدوا للمجالس هيبتها.. وفعلوا أدوارها.. ولتغرس الأُسرة في النشء قيمًا وأخلاقيات تُعينهم على التصدي والصمود لترسيخ الهُوِيَّة.. وليكن بروتوكول (السَّمت العماني) صفحات تدرس في كتب المناهج الدراسية تعلم أجيالنا منذ الصغر وتعرفهم على بوصلات متعددة الاتجاهات كان فيها شموخ الإنسان العماني أينما حضر.
سميحة الحوسنية
كاتبة عمانية