الثلاثاء 30 أبريل 2024 م - 21 شوال 1445 هـ
أخبار عاجلة

تعبيرات قرآنية أضافها القرآن الكريم إلى اللغة العربية «سُقِطَ فـي يده» «1»

الأربعاء - 17 أبريل 2024 06:30 م
40

هناك تعبيرات فريدة، وأساليب لغوية جديدة، أضافها القرآن الكريم إضافةً إلى الألفاظ العديدة التي أدخلها بتشريعاته، وأحكامه على ألفاظ، وتراكيب اللغة العربية منذ أن نزل الإسلام، واللغة تتسع، وتتسع لتستوعب كلام الله عز وجل، وتكاليف الدين من زكاة، وصيام، وحج، وشهادة، وكل أنواع الأحكام الشرعية، والمقاصد الدينية لكل ما ورد في الشريعة الإسلامية، وكذلك أضاف القرآن الكريم تعبيراتٍ، وأساليبَ، وتراكيبَ لم تكن العرب قد ابتكرتْها، فجاءتْ من خير وفيض القرآن الكريم، وكذلك أضاف الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) كثيرًا من تلك التعبيرات التي أفسحت لها الدراساتُ اللغويةُ صفحاتِها، وقامتْ بدراستها من كلِّ جوانبها، وكافة زواياها، ومن ذلك القول الكريم:(ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين) (الأعراف ـ 149).

هذا القول الكريم كان بعد عودة سيدنا موسى (عليه السلام) من الميقات، وهو تعبير يقال للنادم المتحير، قد سُقط في يده، سواء أكان الفعل ثلاثيًا (سقط) أم رباعيًا (أُسقِطَ)، قال الأخفش:(يقال سقط في يده، وأسقط)، ولكن فرقوا بين من قال: سَقَطَ في أيديهم (على بناء الفعل للمعلوم ووجود الفاعل)، فالمعنى عنده: سقط الندم، قاله الأزهري، والنحاس، وغيرهما، ومعلوم أن الندم يكون في القلب، ولكن التعبير ذكر اليد؛ لأنه يقال لمن تحصل على شيء: (قد حصل في يده أمر كذا) لأن مباشرة الأشياء ـ في الغالب تكون باليد، قال الله تعالى: (ذلك بما قدمت يداك)، ونحو:(ذلك بما قدمت أيديكم)، كما أن الندم وإنْ حلَّ

في القلب، فأثره يظهر في البدن؛ لأن النادم يعض يده، ويضرب بإحدى يديه على الأخرى، وهو وارد في كتاب الله تعالى، قال الله سبحانه:(فأصبحَ يقلّبُ كفّيه على ما أنفقَ فيها) أي: كناية عن الحسرة والندم، وقال عزوجل:(ويومَ يعضُّ الظالمُ على يديه) أي: يعض عليها من شدة الأسى والحزن والندم، كما أن النادم يضع ذقنه في يده؛ تحسرًّا وتوجعًّا، وقيل في فلسفة التعبير: إن أصله من الاستئسار، وهو أن يضرب الرجلُ الرجلَ، أو يصرعه، فيرمي به من يديه إلى الأرض؛ ليأسره، أو يكتفه، فالمرمِيُّ مسقوطٌ به في يد الساقط .

وذكر مفسرون آخرون تفسير بقية الآية بأنه لما ندم الذين عبدوا العجلَ ـ من بني إسرائيل ـ مِن دون الله عند رجوع موسى إليهم، ورأوا أنهم قد ضلُّوا عن قصد السبيل، وذهبوا عن دين الله، أخذوا في الإقرار بالعبودية والاستغفار، فقالوا: لئن لم يرحمنا ربنا بقَبول توبتنا، ويستر بها ذنوبنا، لنكونن من الهالكين الذين ذهبت أعمالهم، وأن

النداء:(ربنا) بالنصب على حذف حرف النداء هو أبلغ في الدعاء والخضوع، وبيان المذلة لله والخشوع، فقراءتهما أبلغ في الاستكانة والتضرع ، فهي أولى.

فهو تعبير يكشف عن حجم الندم، والحزن الذي اعتراهم بعد عودة سيدنا موسى والتوضيح لهم بخطأ ما ارتكبوه، وجرم ما اقترفوه في حق ربهم أن عبدوا العجل ن دونه، وأشركوا مع الله معبودًا آخر، فما كان منهم إلا أن ندموا وتحَيَّروا، وعلموا أنهم قد ضلوا عن الصراط المستقيم، وحادوا عن سواء السبيل باتخاذهم العجل معبودًا مع الله، فتضرعوا إلى الله، فقالوا:(لئن لم يرحمنا ربنا بالتوفيق لطاعته، ويغفر لنا ما أقدمنا عليه من عبادة العجل، لنكونن من الذين خسروا دنياهم، وآخرتهم، وأغضبوا ربهم، واستحقوا عقابه، وعتابه، وعذابه).

د.جمال عبدالعزيز أحمد

 كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة - جمهورية مصر العربية