الثلاثاء 30 أبريل 2024 م - 21 شوال 1445 هـ
أخبار عاجلة

الدبلوماسية الاقتصادية ومنهجية التخطيط والتنفيذ «1»

الدبلوماسية الاقتصادية ومنهجية التخطيط والتنفيذ «1»
الثلاثاء - 16 أبريل 2024 05:09 م

د. سعدون بن حسين الحمداني

30

القادة العسكريون المحترفون والذين لديهم خبرات متميزة وطويلة بالمجال العسكري لا يدخلون الحروب إلَّا بعد اكتمال خيوط التخطيط النموذجي لتحقيقِ الأهداف بأقلِّ الخسائر الممكنة من خلال أدوات التنفيذ المناسبة لإنجاز الصفحات المرسومة، سواء من خلال منضدة الرمل أو الخرائط المستلمة من الأقمار الاصطناعية للوصول إلى أفضل النتائج.

ومن بين هذه الأدوات قادة وأمراء الكتائب العسكرية وأنواع الأسلحة والذخيرة المستخدمة، والذين سوف يحملون الرايات لقيادة الهجوم المخطَّط له. وهؤلاء الرجال ذوو مواصفات وسِمات وخبرات تختلف كثيرًا عن بقية الضباط والقادة؛ لأنَّ أيَّ خلل في التنفيذ يعني خسائر بالأرواح أولًا وبالحالة النفسية لبقية عناصر الكتائب والفصائل العسكرية المتجحفلة لِتَحقيقِ هدف ما، وبالتالي تؤدِّي إلى خسائر مادية كبيرة تضرُّ بموازنة الدولة، وسوف تعاني من ديون بسبب هذه الشخصيات التي نفَّذت الخطَّة المرسومة لها دون المعرفة الكاملة بأدوات التخطيط المناسبة وسُبل التنفيذ، وكذلك المثل العربي المشهور (ليس كلُّ مَن ركب الخيل هو خيَّال أو فارس مقدام)، وبالتالي فإنَّ الدبلوماسية الاقتصادية لا تحتاج إلى محاضرة أو مؤتمر أو تكليف شخص بتحمل مسؤولية ملفها، وإنَّما تحتاج إلى عدَّة نقاط وسِمات وخطوات جوهرية ذات مواصفات خاصة لا مجال بذكرها بهذه الأسطر البسيطة.

لا أستطيع البوح وكشف كلِّ الأدوات النموذجية والضرورية للدبلوماسية الاقتصادية في هذا المقال المتواضع، ولكنِّي سوف أتطرق إلى الأدوات الرئيسة والمتعارف عليها؛ لأنَّ الأدوات الجوهرية للدبلوماسية الاقتصادية تحتوي على معلومات أكاديمية علمية بالأرقام تعتمد على الموارد بكلِّ تفرعاتها مستندةً إلى الجيوسياسي أو الجيوبوليتيك والتي تركِّز على العلاقات بين الإنسان والبيئة، وكذلك العلاقة بين عدد السكان وندرة الموارد والموقع الجغرافي للمكان والمخاطر التي قد تواجه قاطني هذه المنطقة، وارتباطها بالصراعات والعنف من أجل الموارد الموجودة في هذه المنطقة، وآثار التدهور البيئي والظروف المناخية التي تواجه المنطقة وساكنيها ومعدَّل الدخل القومي ومستوى الصادرات والواردات المحلية، وسعر الصرف بالأسواق الدولية بالنسبة سعر النفط والاحتياطي السيادي الموجود وغيرها. لذلك تأتي الدبلوماسية الاقتصادية والتي تهدف إلى تعزيز نموِّ اقتصاد الدولة ورفاهية المواطن؛ وذلك بتطبيق العديد من الخُطط غير الكلاسيكية والروتينية من تطبيق أدوات التخطيط المركزي، سواء للاستفادة من نسبة الناتج المحلِّي لِغَرضِ تحقيق فوائض مالية في الميزانية العامة للدولة، ولذلك من خلال جلب الاستثمارات الخارجية وتحديدًا في المناطق التي تعاني غيابَ التنوُّع الاقتصادي المؤثِّر سلبًا على البيئة المحلية. بالمقالات السابقة حول الدبلوماسية الاقتصادية تطرقت بصورة مختصرة ومقتضبة إلى عدَّة أبواب وفصول، منها سِمات وكاريزما المفاوض، والإعلام الخارجي، والتكتيك والاستراتيجية والإعلام الاقتصادي. أمَّا مقال اليوم فنتكلم فيه عن كاريزما وصلاحيات ومهام موظفو العلاقات العامة أو التعاون الدولي أو أي جهة أخرى وإن اختلفت المسمَّيات. ولكن تبقى الأهداف هي واحدة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي والذين سوف يصبحون عقل الوزير أو الشخص المسؤول الذي سوف يتخذ القرار الصائب؛ لأنَّ أيَّ وزير لا يستطيع أن يغطيَ هذا الجانب بكلِّ حرفية إذا لم يعتمد على قِسم متخصص وذي بُعد نظر اقتصادي حرفي محنَّك ويمتلك من المعلومات الدقيقة الحديثة والتي ترفد أهداف الوزارة أو الدولة، وهنا تدخل مفاهيم البروتوكول والإتيكيت الحكومي إحدى الأدوات الرئيسة بالدبلوماسية الاقتصادية، وهي أولى الخطوات للوصول إلى قمَّة الهرم المنشودة، والتي تتفرع إلى أكثر من عشرين مفردة. تُعَدُّ استراتيجية ومهارة التخطيط من أهم مفردات الحياة اليومية، سواء على مستوى الحكومي والرسمي أم على المستوى الشخصي، وبالتَّالي فإنَّ نجاح وتميُّز الدبلوماسية الاقتصادية يعتمد كثيرًا على أدوات التخطيط وكاريزما الشخص القائد والذي يحمل راية الدبلوماسية الاقتصادية بعيدًا عن المناصب وأهميتها ودرجتها؛ لكون الوزير أو السفير منصبًا قياديًّا تخطيطيًّا وموجَّهًا وليس تنفيذيًّا مباشرًا، لذلك فإنَّ القاعدة الوظيفية هي موظفو (علاقات عامة، منظمات خارجية، تعاون دولي) وما لفَّ لفَّها تُعَدُّ هي الأذرع التنفيذية المباشرة للوصول إلى الهدف المرجو، بالإضافة إلى (هيكلة صناعة القرار، تحليل المعلومات الرقمية المتوافرة ورصانتها، حقيبة المعلومات الداخلية والخارجية، فن إدارة الحديث، فن ومهارة التفاوض، مفاهيم البروتوكول والإتيكيت، نظام الأسبقية باستقبال رجال الأعمال ورؤساء الشركات التنفيذيين، بروتوكول وإتيكيت الدعوات ومآدب العشاء والغداء، بروتوكول وإتيكيت تبادل الهدايا، فن الاستماع والإنصات، فن المجاملة والأحاديث المحظورة، الكفاءة العالية في نقل المعلومات الاقتصادية، الاستثمار الداخلي المتبادل والاستثمار الخارجي، فن إدارة الوقت، إتيكيت لباقة الكلمة وحُسن المظهر والهندام الخارجي والتواضع، القدرة العالية بالثقافة العامة واللغات الأجنبية، القدرة على المناقشة ضِمْن أُسُس علمية وأكاديمية ورقمية تكنولوجيا).. وغيرها من المفردات الأوَّلية، بالإضافة إلى مفردات جوهرية أخرى سوف نتطرق إليها بالمقال القادم إن شاء الله.

د. سعدون بن حسين الحمداني

دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت