الاثنين 29 أبريل 2024 م - 20 شوال 1445 هـ
أخبار عاجلة

بين ضوضاء المدينة وسلام الريف

بين ضوضاء المدينة وسلام الريف
الثلاثاء - 16 أبريل 2024 05:08 م

أ.د. محمد الدعمي

10

عندما شجَّعت و»هلَّلت» بعض حكومات العالم الثالث (ومنها حكومات عربية، لبالغ الأسف) لتحقّق معجزة «الهجرة المعاكسة»، من المدينة إلى الريف، فإنَّ الذي تحقَّق لا يزيد عن حالات معدودة (تُعَدُّ بأصابع اليدين) مكوّنة من أفراد أو عوائل وجدت في العودة إلى أراضيها الزراعية في الأرياف القاصية مصادر وواردات مالية أكبر بكثير ممَّا كانت تحصده في الكدح بدواخل المدينة!

يبدو هذا الموضوع من أكثر المواضيع أهمية وشائكية في عالمنا العربي، خصوصًا عبر البلدان التي عاشت التضخم السرطاني للمدينة (العواصم كالقاهرة وبغداد خصوصًا) وذلك على حساب إفقار الريف وحرمانه من عوامل ازدهاره، اقتصاديًّا واجتماعيًّا ووظيفيًّا.

والحقُّ، فإنَّ آفة الهجرة الأصل: من الريف إلى المدينة كانت دائمًا وراء اختلال التوازن التاريخي المتمثل «بتقسيم العمل» Division of labor، إذ يزوِّد الريف المُدن بالغذاء والمنتجات الزراعية والحيوانية ومشتقاتها، بينما تزوِّد المدينة الريف وسواها من المُدن بمنتجات «الحواضر» التقليدية، ومنها الصناعة والتربوية والتجارية والثقافية.

في العراق، على أقلِّ تقدير، كان أصل المعضلة قد جاء من مظالم الإقطاع وأصحاب الممتلكات الزراعية الكبيرة الذين آذوا «عمَّال الأرض» من الفلَّاحين فيخمدونهم ويحافظون على أوضاعهم المتخلفة اقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، الأمر الذي فسّر الهجرة الجماعية العمياء نحو المدينة التي ظهر عليها التضخُّم السرطاني، برغم الأضواء ووعود الرفاه والسعادة التي تحولت إلى معاكستها عندما وضع «عبد الأرض» السابق رقبته تحت مقصلة وسوط الاستغلال من قِبل ربِّ العمل، إذ تحوَّل الفلَّاح الحُر في أريافه (سابقًا) إلى «ساقٍ» في مقهى أو إلى بائع خضار في سوق أو إلى فرَّاش (عامل خدمة في شركة أو في مكتب تجاري)، متخيلًا أنَّ دُور السينما والمسارح و»الكازينوهات» التي تزدحم بها (المُدن) إضافةً على المعارض التجارية هي مصادر السعادة والرفاه، متناسيًا ما كان يتميز به على أقرانه من سكَّان المُدن الذين غدوا أشْبَه ما يكون بـ»المكائن» التي تعمل حسب توقيتات طوابير العمل بشكل لا يقبل الإخلال.

أ.د. محمد الدعمي

كاتب وباحث أكاديمي عراقي