الثلاثاء 30 أبريل 2024 م - 21 شوال 1445 هـ
أخبار عاجلة

العدل عنوان النهضة العمانية المتجددة

العدل عنوان النهضة العمانية المتجددة
إبراهيم بدوي
الاثنين - 15 أبريل 2024 05:07 م

إبراهيم بدوي

10


«العدل أساس الملك» مقولة ترسخ منذ القدم أهمية تحقيق العدالة الشاملة، والتي تطورت بمرور القرون والعقود إلى مساعٍ تشريعية تعمل على ترسيخ هذا المفهوم الإنساني، الذي يجب أن يواكبَ التطور التاريخي والحضاري بشكلٍ يناسب كُلَّ عصر. والعدل تحوَّل مع الوقت من مفهوم يسعى إلى تطبيق العدالة القانونية، إلى مفاهيم أعم وأوسع، لبناء منظومة تحقق كافَّة أشكال العدالة في كافَّة القطاعات والمجالات، بأُسُس فرضها التطور الحضاري المستمر، خصوصًا ممَّن وعى لأهمية منظومة العدالة في بناء الأمم، ودَوْرها في الحفاظ على أمنها الاجتماعي والاقتصادي، الذي يكون له دَوْر محوري في تحقيق السلام والاستقرار المحلِّي، الذي يحتضن اختلافات البشر دون تمييز يؤثر على أمن وسلامة المجتمع، فالعدالة بكافَّة صوَرها وأشكالها أضحت الركن الأساسي في منظومة بناء الأمم التي تسعى إلى الارتقاء والنهوض.

فكم من دول في محيطنا الإقليمي يجمعها وحدة اللغة والدِّين والعِرق بل والأيديولوجيا أيضًا، وكان الجانب الاجتماعي واختلال منظومة العدالة الاجتماعية التي أدَّت لتفاوتٍ طبقي كبير الشرارة الأولى التي قادت تلك الدول لأتون الحرب الأهلية والصراع الداخلي، وكانت الظلم المستشري الأداة الرئيسة التي استخدمها الأعداء، لِنَفثِ نيران الحقد بين أبناء الشَّعب الواحد، وعملت عليها المنظَّمات المشبوهة التي اتضح انتماؤها الصهيوني فيما بعد، حيث استغلت هذا الظلم في تأجيج النفوس ودفعها لتدمير الأوطان. صحيح أنَّنا لا ننكر الدَّوْر الخبيث لتلك الجهات التي باتت معلومة، لكن أيضًا لا يمكن أن نتجاهلَ الغياب العمدي لمنظومة العدالة، كعامل أسْهَم في استقبال هذا التحريض. وأعتقد أنَّه كانت هناك مؤشرات أغمضنا أعيننا عنها، أهمها الصورة الذهنية لدى شعوب تلك الدول في المال العام، الذي طالما اعتبره الكثير أموال الحكومة، وليست أموال الشَّعب، وهو شعور قام بسبب غياب المنظومة العدلية، التي يغيب معها الانتماء.

إنَّ هذا الطرح أثار ذكرى رحيلي من سلطنة عُمان في أواخر 2019، بعد رحلة عمل طويلة في هذه الصحيفة العزيزة (الوطن)، وأتذكر وقتها الابتسامة الجميلة من ضابط المطار، وهو يسألني قبل ختم الجواز، هل لديك أي حقوق في البلاد؟ وهو موقف بسيط يعكس أهم أساس بنيت عليه النهضة العُمانية المباركة، ألا وهو العدل، الذي حرص المغفور له بإذن الله تعالى السُّلطان قابوس ـ طيَّب الله ثراه ـ على إرسائه اجتماعيًّا واقتصاديًّا، وأقام منظومة كان أبرز ثمارها حالة السلام والأمن والاستقرار الذي نسأل الله أن يديمها نعمة على أبناء الشَّعب العُماني وعلى المقيمين في الأرض العُمانية الطيبة، والذي يتجلى في التزام الجميع (مواطنين ومقيمين) بالقانون، بالإضافة إلى الحفاظ على مقدرات الدولة، إيمانًا من الجميع بأنَّ هذا الالتزام سيحمي الحقَّ الشخصي أولًا، فأهمُّ مقوِّمات الانتماء تنطلق من المسؤولية والمنفعة.

ومع توَلِّي حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ مقاليد الحكم، حرص ـ في خضم تجديد النهضة المباركة ـ على تطوير كافَّة القوانين والتشريعات والقواعد التي تواكب العصر وتحقق المنشود من تحقيق كافَّة صور العدالة وأشكالها، ورغم الأزمات العالمية المتوالية التي ألقت بظلالها على الانطلاقة، إلَّا أنَّ البُعد الاجتماعي، والحرص على ضرورة ألَّا تؤثرَ تلك التحدِّيات والأزمات على الفئات الأشد ضعفًا، كان هو السِّمة الرئيسة، التي أدَّت لهذا النجاح غير المسبوق في تلك السنوات القليلة، والذي شهد به القاصي والدَّاني، وعمدت المؤسسات الاقتصادية والائتمانية العالمية على الإشادة بتلك الخطوات الإصلاحية، التي اتخذت من العدل عنوانًا عريضًا، استطاع ربَّان عُمان المُفدَّى أن يجعلَه دفَّته التي قادت البلاد نحو ما وصلنا إليه من نجاح.

إبراهيم بدوي