الخميس 12 يونيو 2025 م - 16 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

غرائب القرآن : «العَمَى، والعَمَهُ» «1»

الثلاثاء - 19 مارس 2024 03:56 م
60

ورد في كتاب الله تعالى قولُه:(بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ) (النمل ـ 66)، وورد في سورة البقرة، الآية (18):(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ)، وقال سبحانه:(عَبَسَ وَتَولَّى، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى) (عبس 1 ـ 2)، وقال عزو جل:(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الانعام ـ 110).

وهناك فارق بين (العَمِيّ، والأعمى، والعامي، والعَمِهِ، والعَامِهِ)، حيث ورد في معاجم اللغة في مادة(عمه) الآتي: عَمِهَ عَمَهًا، وعُمُوهًا، وعَمَهَانًا: تحيَّر في الطريق، ولم يدرِ أين يذهب، فهو أعمه، وعَمِهٌ، وهي عمهاءُ، وعَمِهَةٌ، وعَمِهَ في الأمر: لم يدر وجهَ الصواب فيه، فهو عَامِهٌ، والجمع عُمَّهٌ، والعَمَهُ: التحير، والتردد، أين يتوجه بحيث لا يدري، وهو (أي: العمه) في البصيرة كالعَمَى في البصر.

أما الفعل عَمِيَ (بياء في آخره) فقد ذكرتْ معاجم اللغة أن العَمَى هو ذهاب البصر كلِّه من عينيه كلتيهما، فهو أعمى، وهم عُمْيٌ، وعُمْيَانٌ، وهي عمياء، وهُنَّ عميٌ، وعَمِيَ القلبُ، أو الرجلُ: ذهبتْ بصيرته، ولم يهتد إلى خير، فهو أعمى، وهي عمياء، وهم عُمْيٌ، وهو عَمٍ، وهي عَمِيَّةٌ من قوم عَمِينٍ، والعَامِي: هو الذي لا يبصر طريقه، ويحتاج إلى من يقوده فيه.

فالعَمَى هو ذهاب البصر بالكلية في العينين، والعَمَهُ هو ذهاب العقل، وحلول الضلال، وقد يكون صاحبه مبصرا، له عينان لكنه ضال كأنه لا يبصر مواضع أقدامه، فالْعَمَى في البصر، والعَمَهُ في البصيرة، قال أهل التفسير: بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ» هو بيانٌ لأحوالهم في الدنيا، أي أنَّ هؤلاء المشركين كانوا في الدنيا يَشُكُّونَ في الآخرة، بل كانوا في عَمًى عنها، بحيث لا يفتحون بصائرهم، أو أبصارهم، عما قال لهم الرسول (صلّى الله عليه وسلم) بشأنها، ويكيدون للمؤمنين في عباداتهم.

فـ(عَمُون) في القول الكريم جمع (عَمٍ)، وهو أعمى القلب، أي: لا يفقه شيئًا، ولا يدرك أمرًا، انطفأتْ بصيرتُه، بعد أن راح بصرُه، فجمع بين الظلمتين: ظلمة البصر، وظلمة البصير، قال الكلبي: يقول: هم جهلة بها.

والآية الكريمة قد انتقلتْ في تصوير كفر هؤلاء المشركين بالآخرة، من حالة شنيعة إلى حالة أخرى أشدَّ منها في الشناعة، والجحود، قال الإمام الزمخشري صاحب الكشاف: فإن قلتَ: هذه الإضرابات الثلاثة، ما معناها؟، قلت: ما هي إلا تنزيل لأحوالهم؛ حيث وصفهم أولا بأنهم لا يشعرون وقت البعث، ثم لا يعلمون بأن القيامة كائنة، ثم إنهم يخبطون في شك، ومرية، فلا يزيلونه، مع أن الإزالة مستطاعة، ثم بما هو أسوأ حالا وهو العمى، وأن يكون مثل البهيمة قد عكف همَّه على بطنه وفرجه، لا يخطر بباله حق، ولا باطل، ولا يفكر في عاقبة، ولا مآل.

د. جمال عبد العزيز أحمد

 جامعة القاهرة - كلية دار العلوم بجمهورية مصر العربية