أحبابنا الكرام.. طيب الله أوقاتكم بذكره تعالى وشكره والصلاة والسلام على نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم)، ذلكم النبي الكريم الذي نوّر الدنيا بمولده الشريف، وكان زاد ميلاده (صلى الله عليه وسلم) نورًا فوق نوره، وفي الحديث عن مولده (صلى الله عليه وسلم) ونحن نعيش في رحابه هذه الأيام، طرأت إلى الذهن مفارقة قد لا يعلمها البعض، ألا وهي: ما معنى مولده (صلى الله عليه وسلم) وميلاده؟!، فهناك من الناس من يقول مولده ومنهم من يقول ميلاده، فأيُّ منهما أصح؟ وهذه المفارقة تدعونا إلى أن نرجع إلى أصحاب اللغة، لنعلم ماذا قالوا عن معنى المولد ومعنى الميلاد!، ذكر صاحب (لسان العرب 3/ 468): (مَوْلِدُ الرَّجُلِ: وقتُ وِلادِه. ومَوْلِدُه: الْمَوْضِعُ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ، وولَدته الأُم تَلِدُه مَوْلِدًا، ومِيلادُ الرَّجُلِ: اسْمُ الْوَقْتِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ، وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِعَاذَةِ: وَمِنْ شرِّ والِدٍ وَمَا وَلَد؛ يَعْنِي إِبليس وَالشَّيَاطِينَ، هَكَذَا فُسِّرَ، وأَما الوِلادَةُ، فَهِيَ وَضْعُ الوالِدة ولَدها، والمُوَلِّدَة: القابلةُ؛ وَفِي حَدِيثِ مُسافِعٍ: حَدَّثَتْنِي امرأَة مِنْ بَنِي سُلَيْم قَالَتْ: أَنا وَلَّدْت عامّةَ أَهل دِيارِنا أَي كُنْتُ لَهُمْ قَابِلَةً). ومن هنا بيّن صاحب (اللسان) المفارقة بين المولد والميلاد، فذكر أن المولد هو وقت الولادة وهو يوم الإثنين، وفي نفس الوقت تعني المكان الذي ولد فيه وهي مكة المكرمة، أما الميلاد فعلى رأي صاحب (لسان العرب) أنه اسم للزمان الذي ولد فيه وهو عام الفيل، وهو الأمر الذي وضحه صاحب (معجم اللغة العربية المعاصرة 3/ 2492) اسم مكان من (ولَدَ/ ولَدَ) من: موضِع الوِلادة:(مولده في مكَّة المكرمة. اسم زمان من ولَدَ/ ولَدَ من: وقت الوِلادة، كان مولد النبيّ في الثاني عشر من ربيع الأول. ومِيلاد مفرد: وقت الوِلادة)، بل وحدد الفرق بينهما بدقة صاحب كتاب (الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية 2/ 554): (ميلادُ الرجلِ اسمٌ للوقت الذي ولد فيه. والمولد: الموضع الدى وُلِدَ فيه)، وقد يكون هذا بإجماع اللغويين، فقد ذكر نفس الفارق صاحب كتاب (مختار الصحاح، ص: 345).. وغيره، فقال:(وَ(مِيلَادُ) الرَّجُلِ اسْمُ الْوَقْتِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ. (وَالْمَوْلِدُ) الْمَوْضِعُ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ) غير أن هناك من ذكر من أصحاب اللغة أن معني المولد والميلاد واحد، كما ذكر صاحب (أساس البلاغة 2/ 353): (ومولده وميلاده وقت كذا، ومكة مولده ومنشؤه).
والخلاصة أن من ذكر مولد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقصد الميلاد، فهو نفس المعني ، ومن قصد بذكر المولد مكان ولادته، وقصد بميلاده ميعادها، فلا بأس، والكل صحيح، فمولد اسم الوقت القصير كالليلة واليوم، والميلاد اسم الوقت الطويل كالشهر والعام، أو أن المولد اسم المكان عامة والميلاد اسم الزمان عامة أيضًا، ولو تأملنا مولده (صلى الله عليه وسلم) من حيث المكان فما أعظمه من مكان فمكة قد شرفها الله تعالى ووصفها بأجمل وأشرف الأوصاف، يقول الطبري في (جامع البيان، ت: شاكر 19/ 511):(خصها بالذكر دون سائر البلدان، وهو ربّ البلاد كلها، لأنه أراد تعريف المشركين من قوم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذين هم أهل مكة، بذلك نعمته عليهم، وإحسانه إليهم، وأن الذي ينبغي لهم أن يعبدوه هو الذي حرّم بلدهم، فمنع الناس منهم، وهم في سائر البلاد يأكل بعضهم بعضًا، ويقتل بعضهم بعضا، لا من لم تجر له عليهم نعمة، ولا يقدر لهم على نفع ولا ضرّ، وقوله: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يقول: وأمرني ربي أن أسلم وجهي له حنيفًا، فأكون من المسلمين الذين دانوا بدين خليله إبراهيم).
ومكة هي موضع ولادته (صلى الله عليه وسلم) والحديث في هذه النقطة عنها، وتحديدًا المكان الذي شرّف الله الأرض كلها به لا يمكن تعيين ذلك لا من طريق صحيح أو ضعيف، حيث إنه لا خلاف في كونه في مكة، ولا يمكن القول بتحديد أي شعابها، كما لا يمكن القول بتعيين هذا الشعب أو في أي الدور منها، ولا يمكن أيضا القول بتعيين الدار أو بتعيين الموضع من الدار، خاصة بعد مرور تلك الأزمان والعصور، وانقطاع بعض الآثار والأخبار.
.. وللحديث تتمة.
محمود عدلي الشريف