[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
على غير العادة فاض بولاية كسلا شرق السودان خلال الاسبوع الماضي نهر القاش شتاءً بارتفاعات في مناسيب المياه تم تقديرها بأنها تفوق المترين، مشكلا بذلك ظاهرة كونية غريبة على اهل المنطقة الذين اعتادوا على فيضانه صيفا خلال شهر يونيو من كل عام.
القاش هو نهر موسمى ينبع من المرتفعات الأرترية شرق السودان، يسمى داخل ارتريا باسم نهر مأرب، ثم يعبر الحدود الارترية السودانية نحو ولاية كسلا حتى يصل دلتاه الخاصة به في السهول الرملية في ولاية كسلا والتي تسمى دلتا القاش، دون ان يلتقي بأي نهر آخر دخل السودان.
وقد اعتاد أهل كسلا في كل عام على تدفق نهر القاش لمدة اربعة أشهر خلال شهور الصيف وذلك ابتدءا من شهر يونيو حتى أكتوبر، وقد ادى ذلك التدفق السنوي في تلك الشهور الى تحديد الموسم الزراعي في دلتا القاش، حيث ظل المزارعون يعتمدون عليه في ري محاصيلهم الموسمية والتي تتمثل في القمح وقصب السكر والقطن والموز والمانجو والفول السوداني والحمضيات، مستفيدين في كل عام من مياه حوضه التي تصل إلى ثلاثة مليارات متر مكعب سنوياً.
أن يتغير موسم تدفق نهر موسمي يعتبر بكل الحسابات ظاهرة جديدة، حيث يرى بعض الاختصاصيين في المناخ بأنها ظاهرة مرتبطة بالتغير المناخي الذي تتعرض له المنطقة، خصوصا ظاهرة النينو المناخية التي يرى خبراء الارصاد الجوية في استراليا بانها ستبلغ ذروتها في نهاية هذا العام الجاري لتتلاشى فيما بعد.
ويعرف عن ظاهرة النينو بأنها ظاهرة مناخية يمتد تأثيرها حتى شرق افريقيا حيث منبع نهر القاش، وهي تتسم بدفء سطح المياه في المحيط الهادي وتحدث كل اربعة الى اثني عشر عاما، وينتج عن ذلك موجات جفاف وحر لافح في آسيا و(شرق إفريقيا) وهطول أمطار غزيرة وفيضانات وغيرها من حالات عدم استقرار المناخات والجفاف والدفء في السواحل الشرقية لاستراليا وكذلك فيضانات في اميركا الجنوبية وغيرها من دول العالم.
وان صح تقريب توصيف خبراء الارصاد للظاهرة وربطها بالنينو، فبالضرورة أن يبرز السؤال الهام هو: ثم ماذا بعد ؟ وهل آن الآوان لهيئة الارصاد الجوية السودانية ان تطور قدراتها لمواكبة المتغيرات المناخية، خصوصا وانها تعتبر واحدة من اقدم هيئات الارصاد الجوي في المنطقة العربية والافريقية حيث يرجع تاريخ بداية الارصاد الجوي في السودان الى اواخر القرن الماضي وتحديدا في عام 1890 عندما تم انشاء اول محطة للرصد الجوي في مدينة سواكن شرق السودان وتوالى انتشار المحطات بعدها في مختلف انحاء السودان حتى اصبح السودان عضوا كامل العضوية في المنظمة العالمية للارصاد الجوية في عام 1956 م.
ولكن رغم هذه العراقة التاريخية تعتبر الارصاد الجوية في السودان في حاجة ماسة وضرورية الى تطوير قدراتها التقنية لتتماشى مع ما لديها من قدرات بشرية متمكنة، وذلك حتى تستطيع ان تواكب ما يستجد من متغيرات مناخية عبر تطوير الراصدات الجوية ونظام خرائط الطقس وغيرها من التقنيات الحديثة المتطورة، فضلا عن ضرورة تعزيز علاقاتها مع مراكز الارصاد الجوية العالمية ومراكز الاقمار الصناعية في مختلف انحاء العالم وذلك تفاديا لأي اضرار قد تهدد حياة البشر في المستقبل.